يعاني موظفو القطاع العام "الجهاز الحكومي" في الأردن من تدني الرواتب وثباتها منذ حوالي 10 سنوات بسبب عدم زيادتها، رغم ارتفاع التضخم وتراجع مستويات المعيشة وزيادة متطلبات الإنفاق على المجالات الأساسية كالصحة والتعليم والطاقة وغيرها.
ويقدر عدد العاملين في الجهاز الحكومي بحوالي 215 ألفا يتقاضون رواتب سنوية بحوالي 5.7 مليارات دولار تشكل ما نسبته 43% من حجم الموازنة العامة للدولة.
وقد أوقفت الحكومة التعيين في الجهاز الحكومي إلا في الحدود الدنيا ولتغطية ضرورات في وزارتي التعليم والصحة بهدف تخفيض الإنفاق.
وحسب مراقبين، فإن تدني الرواتب في الوزارات والمؤسسات الحكومية شكل عامل طرد لكثير من الكفاءات للهجرة إلى القطاع الخاص والخارج، فيما تلجأ أعداد كبيرة من الموظفين للعمل خارج أوقات الدوام الرسمي بأعمال شاقة مختلفة لتحسين أوضاعهم المعيشية وإن كانت الأجور التي يتقاضونها متدنية جدا.
ووفق مواطنين ومختصين، يتجه الأردنيون إلى العمل في مختلف المجالات بالقطاع الخاص، ولا سيما في التجارة والأعمال الحرفية والسياحة والمطاعم والمشروعات الصغيرة وغيرها من الأعمال.
رئيس المرصد العمالي أحمد عوض قال لـ"العربي الجديد" إن تقريرا أعده المركز مؤخرا كشف عن واقع صعب يعيشه موظفو القطاع الحكومي نتيجة لتدني رواتبهم، والتي لم ترتفع منذ سنوات طويلة، في الوقت الذي شهدت فيه الأسعار ارتفاعات غير مسبوقة وكذلك الإنفاق الاستثنائي الذي فرضته جائحة كورونا وتداعياتها.
وأضاف أن رواتب غالبية موظفي الحكومة أقل من خط الفقر المطلق وهي لا تتناسب مع الغلاء واحتياجات الأسر، مشيرا إلى أن نسبة الفقر في الأردن ارتفعت بنسبة كبيرة في السنوات العشر الأخيرة ولم يتم الإعلان عنها رسميا من قبل الجهات المختصة حتى الآن.
وقال إن الخطورة تكمن في لجوء موظفي الحكومة للعمل بعد ساعات الدوام اليومي في أماكن أخرى وبأجور قليلة، ما ينطوي على مخاطر بعدم قدرتهم على القيام بمهامهم في وظيفتهم الرسمية.
وقد ارتفعت نسبة البطالة في الأردن إلى 25% العامين الماضيين وتراجعت إلى 22.6% وفقا للبيانات الرسمية.
وتشير المعطيات إلى أن غالبية موظفي الجهاز الحكومي مدينون للبنوك والمؤسسات المالية الأخرى، إذ يبلغ إجمالي قيمة ديون الأفراد في الأردن حوالي 16 مليار دولار.
وحذر المرصد العمالي من تداعيات هذه الظاهرة، وأبرزها تزايد نسبة البطالة وإفشال برامج التشغيل وتوليد فرص عمل جديدة، وكذلك تعميق الفقر عند العاملين بسبب ثبات الأجور مع ازدياد التضخم، إضافة إلى توسيع قطاع العمل غير المنظم.
وبين التقرير أن غالبية العاملين من الفئات الأولى الثانية والثالثة في العديد من مؤسسات القطاع العام يتقاضون رواتب متدنية، لا تغطي احتياجاتهم وبخاصة الذين يعيلون أسراً، في ظل ارتفاع كلف المعيشة وأبرزها ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وأسعار مختلف السلع الغذائية والأساسية.
وأشار التقرير إلى أن علاوة غلاء المعيشة الشهرية لموظفي القطاع العام من الفئات الأولى والثانية والثالثة والبالغة 135 دينارا لم تزد منذ 10 سنوات، إذ كانت آخر زيادة عليها في عام 2012 بالرغم من ارتفاع معدلات التضخم في الأردن خلال العقد الأخير لتبلغ نحو 31 بالمئة.
كما حذر التقرير من تداعيات هذه الظاهرة من عدة جوانب، أبرزها زيادة معدلات البطالة لأن الوظائف الأخرى التي يشغلها العاملون والعاملات في القطاع العام إضافة إلى المتقاعدين يفترض أن تكون من نصيب الخريجين الجدد والمتعطلين عن العمل.
ويقول المواطن عماد الرقاد لـ"العربي الجديد" إن عمله لساعات طويلة إضافة إلى وظيفته الحكومية ليس من باب الترف، وإنما نتيجة للأوضاع المعيشية الصعبة التي يعاني منها فراتب الحكومة لا يكفي وهو أقل بكثير من خط الفقر.
وأضاف أن هناك فئة قليلة رواتبها في القطاع العام مرتفعة لكن الغالبية دخولهم متدنية ما يضطرهم إلى البحث عن مجالات عمل أخرى في الفترة المسائية.
ومن جانبه، قال المواطن عمر خالد لـ"العربي الجديد" إن العمل لساعات طويلة هو سبيل غالبية العاملين في الحكومة لتحسين أوضاعهم المعيشية وتلبية احتياجات الأسر، وذلك على حساب صحة الموظف وعدم قضائه الوقت الكافي مع أسرته، لكن الظروف الصعبة تدفعهم للعمل في وظائف وأعمال أخرى وبرواتب متدنية.
وأشار تقرير المرصد العمالي إلى أن تدني الأجور سيفرغ برامج التشغيل والخطط التي تضعها الحكومة لتوليد فرص عمل جديدة في القطاع الخاص للعاطلين عن العمل والخريجين الجدد، حيث إن عدم كفاية الرواتب لسد الاحتياجات الأساسية للعاملين في القطاع العام سيجعلهم يزحفون باتجاه احتلال هذه الوظائف الجديدة لتحسين أوضاعهم المعيشية.
حذر المرصد العمالي من تداعيات هذه الظاهرة، وأبرزها تزايد نسبة البطالة وإفشال برامج التشغيل وتوليد فرص عمل جديدة، وكذلك تعميق الفقر عند العاملين
كما أن من شأن تدني مستويات الأجور في القطاع العام أن يزيد أعداد العمالة الفقيرة ويعمقها، ووفق التقارير الصادرة عن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لعام 2021 فإن 56 بالمئة من العاملين المشتركين في الضمان تبلغ أجورهم الشهرية (500) دينار فما دون ذلك.
وهذا المستوى من الأجور منخفض جدا إذا ما قورن بمستويات خط الفقر في الأردن، فالأرقام الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة لعامي 2017 و2018 تُشير إلى أن قيمة خط الفقر المطلق تبلغ (1200) دينار للفرد سنويا، في حين أن خط الفقر للأسرة المعيارية يقارب الـ(480) دينارا شهريا وفق التقرير الذي توقع أن يكون قد ارتفع في ضوء ارتفاع مستويات التضخم خلال السنوات الخمس الماضية.
ورأى التقرير أن ظاهرة عمل موظفي القطاع العام في وظائف أخرى ستتوسّع، بسبب الارتفاعات المتتالية في الأسعار وعدم زيادة أجورهم منذ سنوات.
وأوصى تقرير المرصد العمالي بإعادة النظر بمستويات الأجور في القطاع العام باتجاه رفعها، بما يوفر مستوى معيشيا لائقا لهم ولأسرهم، لوضع حد لتنامي ظاهرة عمل الموظفين الحكوميين في وظائف أخرى بما يساهم بشكل كبير في ترك فرص العمل للداخلين الجدد إلى سوق العمل.
وقال الخبير الاقتصادي مازن مرجي لـ"العربي الجديد" إن عمل موظفي الحكومة في وظائف ثانوية أخرى إلى جانب عملهم الأصلي ليس بالأمر الجديد، وهذا يعود إلى انخفاض رواتب القطاع العام وتآكلها في السنوات العشر الأخيرة فيما لم تطرأ عليها أي زيادات حقيقية باستثناء الزيادة السنوية المتدنية ولا تذكر.
وأضاف أن القطاع الخاص يستغل عمل حاجة موظفي القطاع العام للعمل في مجالات أخرى، وبالتالي يتم تشغيلهم بأجور متدنية رغم أن العمل يكون لساعات طويلة.
وأعدت الحكومة مؤخرا خطة لتحديث وتطوير القطاع العام بهدف تفعيله ومعالجة الاختلالات وحالات الترهل التي يعاني منها.