تتعرض السوق العقارية في بريطانيا لضغوط متزايدة، إذ انخفضت أسعار المنازل بأكبر وتيرة سنوية في حوالي 14 عاماً، ما يعكس التأثير السلبي للتضخم المرتفع وتكاليف الاقتراض المتسارعة والتي لا يلوح في الأفق ما يشير إلى انخفاضها قريبا، ما يجعل الكثير من المقترضين عرضة لتفاقم الأعباء المالية في الفترة المقبلة.
وفقاً لبيانات صادرة عن شركة "نيشن وايد" للرهن العقاري، تراجعت أسعار المنازل بنسبة 3.8% في يوليو/تموز الماضي عن نفس الفترة من عام 2022، في أكبر وتيرة انخفاض منذ عام 2009، أما على أساس شهري فانخفضت الأسعار 0.2%، ليصل متوسط سعر المنزل الواحد إلى نحو 260.8 ألف جنيه إسترليني (334.6 ألف دولار).
وذكرت "نيشن وايد"، أن الفائدة على الرهن العقاري لا تزال مرتفعة، ما يجعل القدرة على تحمل التكاليف تحدياً لمشتري المنازل. وقال روبرت جاردنر، كبير الاقتصاديين لدى الشركة، إن الزيادة في أسعار الفائدة في الأشهر الأخيرة جعلت من الصعب على المشترين المحتملين تحمّل رهن منزل جديد.
وأضاف جاردنر: "سيكون من الصعب على السوق استعادة الكثير من الزخم في المدى القريب، نظراً لأن ثقة المستهلك لا تزال ضعيفة وميزانيات الأسر لا تزال تحت ضغط التضخم المرتفع".
وزادت تكاليف الاقتراض في أعقاب ارتفاع أسعار الفائدة من قبل بنك إنكلترا المركزي من مستوى تاريخي منخفض بلغ 0.1% في نهاية عام 2021 إلى 5% حالياً في جهوده لخفض التضخم إلى هدف 2%. وقال جاردنر، وفق صحيفة فايننشال تايمز، أمس، إن سوق الإسكان في المملكة المتحدة وصل العام الماضي إلى "نقطة تحول" نتيجة لاضطراب الأسواق المالية.
بدورها ذكرت جابرييلا ديكنز، الخبيرة الاقتصادية في شركة الأبحاث "بانثيون ماكرو إيكونوميكس" أن "الانكماش في سوق الإسكان الآن على قدم وساق". وتتوقع أن تستمر أسعار المنازل في الانخفاض في الأشهر المقبلة إلى حوالي 8%، حيث من المتوقع أن تظل أسعار الفائدة مرتفعة طوال هذا العام ويظل الطلب ضعيفاً. وأضافت: "الطلب لن يتعافى حتى تنخفض معدلات الرهن العقاري أو أسعار المساكن بشكل كبير".
على الرغم من الانخفاض المستمر في الأشهر الأخيرة، لا يزال متوسط سعر المنزل في المملكة المتحدة أعلى بقيمة 41 ألف جنيه إسترليني أو 19% من مستويات فبراير/شباط 2020، قبل أول قيود لمواجهة جائحة فيروس كورونا. وهذا يعكس الطفرة في الأسعار التي شوهدت خلال الوباء والتي عززتها أسعار الفائدة المنخفضة القياسية. وفي السنوات الثلاث التي تلت ظهور الوباء، ارتفعت أسعار المساكن بنسبة أكثر تواضعاً بلغت نحو 4%، وفقاً لشركة "نيشن وايد".
وقال أندرو ويشارت، الاقتصادي في شركة الاستشارات كابيتال إيكونوميكس: "مع استمرار المبالغة في تقدير أسعار المساكن في بيئة معدلات الرهن العقاري المرتفعة اليوم، نشك في أن معظم التعديل في الأسعار لم يأت بعد".
مالكو المنازل يراقبون تكاليف الاقتراض
ووسط حالة عدم اليقين المحيطة بسوق الإسكان، يراقب مالكو المنازل والمشترون المحتملون عن كثب، ما إذا كانت معدلات الرهن العقاري ستشهد مساراً هبوطياً خلال العام الجاري.
وفي الوقت الحالي، يبلغ متوسط معدل الفائدة على الرهن العقاري المتعقّب 6.02%، أي أقل بشكل كبير من متوسط الرهن العقاري بالفائدة الثابتة لمدة عامين الذي يبلغ 6.81%. والرهن العقاري المتعقّب يتبع نظام فائدة يتوافق مع التغيرات التي يعتمدها البنك المركزي فإذا رفع سعر الفائدة يرتفع معدل الفائدة على القرض العقاري والعكس صحيح.
ومع استمرار ارتفاع أسعار الفائدة، يفكر العديد من المقترضين في تأمين معدلات الرهن العقاري الخاصة بهم لفترة طويلة. وتكمن جاذبية صفقات الأسعار الثابتة طويلة الأجل في الاستقرار الذي توفره، مما يحمي أصحاب المنازل من ارتفاع الأسعار في المستقبل.
ومع ذلك، يحذر الخبراء من أن المقترضين قد يندمون على هذا القرار، حيث إن متوسط الصفقات ذات معدل الفائدة الثابت لمدة خمس سنوات وعشر سنوات لا يزال حالياً عند مستويات عالية. وهناك احتمال بأن تصل أسعار الفائدة قريباً إلى ذروتها وتبدأ في الانخفاض، مما يترك أولئك الذين يحتفظون بها على المدى الطويل بمعدلات أقل تفضيلًا.
وفقاً لنيكولاس مينديز، المدير الفني في شركة "جون تشاركول" العاملة في مجال الرهن العقاري، كانت هناك زيادة ملحوظة في اهتمام العملاء بالرهون العقارية المُتعقّبة، حيث أبدى كُثر من المقترضين قلقاً بشكل متزايد من البقاء في صفقات ذات معدل فائدة ثابت، لا سيما بالنظر إلى إمكانية انخفاض أسعار الفائدة في غضون الأشهر الستة إلى الاثني عشر شهراً القادمة.
وفي يوليو/تموز الماضي، حذر بنك إنكلترا المركزي من أن نحو مليون من الحاصلين على قروض الرهن العقاري سيواجهون زيادة بنحو 500 جنيه إسترليني في قيمة الأقساط الشهرية التي يدفعونها حتى عام 2026، مشيرا إلى أن مقترضي الرهن العقاري "قد يواجهون صعوبات في دفع الأقساط المستحقة عليهم"، إلا أنه أكد قدرة البنوك على التعامل مع حجم المتخلفين عن السداد.
وجاءت الزيادة في أسعار الفائدة على خلفية إعلان بنك إنكلترا زيادة أسعار الفائدة في يونيو/حزيران الماضي لمستوى 5%، وهو أعلى مستوى لها منذ خمسة عشر عاماً، الأمر الذي دفع المصارف الكبرى المتعاملة في سوق الرهن العقاري لزيادة أسعار الفائدة على القروض ثابتة الفائدة لمدة عامين وخمسة أعوام.
وكان متوسط أسعار الفائدة الثابتة لمدة خمس سنوات على قروض الرهن العقاري نحو 3% منذ نحو عام، ما يعني أنها زادت بنسبة أكبر من الضعف تقريباً، الأمر الذي يضع مزيداً من الضغوط على الطلب على شراء العقارات، ما أدى لانخفاض أسعارها بشكل تدريجي منذ مطلع العام الجاري.
واضطر بنك إنكلترا إلى رفع أسعار الفائدة 13 مرة متتالية منذ ديسمبر/كانون الأول عام 2021، وذلك مع بلوغ التضخم أعلى مستوى في 41 عاماً عند 11.1% في أكتوبر/تشرين الأول 2022، قبل أن يتراجع إلى 7.9% في يونيو/حزيران من العام الجاري.
أسعار الفائدة قد تظل عند مستويات الذروة لفترة
ونهاية يوليو/تموز الماضي، ألمح أندرو بيلي محافظ بنك إنكلترا إلى أن أسعار الفائدة قد تظل عند مستويات الذروة لفترة أطول. وتراهن أسواق المال حالياً على أن السعر القياسي (للفائدة في المملكة المتحدة) سيصل إلى ذروته دون 6.25% بحلول فبراير/ شباط من العام المقبل. ومن المتوقع بعد ذلك أن تظل الفائدة معلقة لمدة ستة أشهر على الأقل، مع ترجيح أول خفض لسعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية بحلول سبتمبر/أيلول من العام المقبل.
ومن المقرر أن تصدر لجنة السياسة النقدية التابعة للبنك المركزي إعلاناً بشأن أي تغييرات محتملة في أسعار الفائدة، غداً الخميس، وسط توقعات من بنوك عالمية برفع الفائدة 0.25%.
وأصدر ستيف سيل، الرئيس التنفيذي لشركة "بلوستون للرهون العقارية"، ملاحظة تحذيرية، مشيراً إلى أنه يجب على مالكي المنازل توخي الحذر بشأن التحديات المحتملة في المستقبل.
ولفت إلى احتمال رفع المقرضين لمعدلات الرهن العقاري وسحب الصفقات من السوق، مما يزيد من صعوبة تأمين شروط اقتراض مؤاتية لهم. ونتيجة لذلك، قد يواجه أصحاب المنازل صعوبات في إدارة مدفوعاتهم، وقد يواجه مشترو المنازل المحتملون مشكلات في القدرة على تحمل التكاليف عند محاولتهم دخول سوق الإسكان.
ويكافح العديد من الأسر بالفعل بسبب أزمة تكلفة المعيشة، ما يزيد التحديات السياسية لرئيس الوزراء ريشي سوناك، الذي يقول إن تركيزه ينصبّ على خفض التضخم. والشهر الماضي، استبعد وزير الخزانة جيريمي هانت دعم الرهن العقاري الخاص لأنه لن يؤدي إلا إلى تفاقم نمو الأسعار.