استمع إلى الملخص
- **صفقات ضخمة من الإمارات والسعودية**: الإمارات استحوذت على مشروع رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار، والسعودية تخطط لزيادة استثماراتها في مصر، بما في ذلك أراضٍ على البحر الأحمر واستثمارات في قطاع الكهرباء.
- **مخاطر طويلة الأمد**: رغم توفير السيولة، بيع الأصول يحرم الدولة من إيراداتها ويضغط على سوق الصرف الأجنبي. يجب توجيه الاستثمارات نحو مشروعات جديدة وتقييد الاستثمار الأجنبي في القطاعات الحساسة.
اليوم السعودية وأمس الإمارات، وغداً قد تأتي أموال قطر والكويت وسلطنة عمان والبحرين، وربما العراق وليبيا، وكل من لديه سيولة دولارية ضخمة وصناديق سيادية تمتلك مئات المليارات من الدولارات، هؤلاء ستكون لديهم الفرصة لدخول السباق المفتوح على مصراعيه.
الجميع بات يتسابق على شراء أصول مصر الثمينة من شركات وأراض وبنوك وفنادق ومستشفيات ومدارس وقطاعات حيوية واستراتيجية ومحطات وقود، وغيرها مما قررت الحكومة بيعه، والتخلص منه في إطار اتفاق مع صندوق النقد الدولي والدائنين لتوفير سيولة نقدية، توجه أولاً إلى سداد أعباء الدين الخارجي الذي تضخم بصورة مرعبة في السنوات العشرة الأخيرة، وثانياً إلى سداد مستحقات شركات النفط والغاز والطاقة الأجنبية، ثم يوجه ما تبقى منها إلى تمويل واردات الدولة من السلع الاستراتيجية مثل الوقود والأغذية والزيوت وغيرها.
في الأمس القريب استحوذت الإمارات على واحدة من أهم أصول مصر وأبرز المواقع الاستراتيجية في الدولة، مشروع رأس الحكمة، حيث اشترت مساحة تزيد عن 40 ألف فدان، أي ما يعادل 170.8 مليون متر مربع في صفقة بلغت قيمتها 35 مليار دولار، تم تحويل 11 مليار دولار منها في صورة ودائع لدى البنك المركزي المصري للجنيه، والباقي ذهب لتمويل تجارة مصر الخارجية وسداد أعباء الديون ومتأخرات شركات الطاقة العالمية.
وقبلها استحوذت الإمارات على درة أصول مصر من بنوك وشركات ومستشفيات ومدارس وفنادق ومحطات إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح وغيرها.
لا مانع لدي من تدفق الاستثمارات العربية والأجنبية على مصر، فهذا مؤشر جيد، بشرط توجه تلك الاستثمارات نحو الاستثمار المباشر، وتأسيس مشروعات ومصانع وشركات إنتاجية توفر فرص عمل
واليوم جاء دور السعودية، فقبل أيام أعلن وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، في اجتماع مع مسؤولين بالحكومة المصرية، إن "المملكة لديها توجه بزيادة استثمارات صندوق الاستثمارات العامة السعودي في مصر، وتحويل ودائعنا في مصر إلى استثمارات".
ووفق المعلومات المتاحة فإن لدى السعودية ودائع بقيمة 10.3 مليارات دولار لدى البنك المركزي المصري، وإن المملكة تعتزم الاستحواذ على أراضي رأس جميلة المقابلة لجزيرتي تيران وصنافير في شرم الشيخ على سواحل البحر الأحمر.
ويدرس صندوق الاستثمارات العامة السعودي حالياً الاستثمار في الشركة المصرية لنقل وتوزيع الكهرباء، إحدى الشركات التابعة للقابضة للكهرباء، والاستحواذ على عدة أصول ما بين بنوك وشركات وفنادق تاريخية ومدارس ومستشفيات، وغداً تخرج علينا عشرات الأخبار التي تتحدث عن صفقات يجريها كبار المسؤولين في الصناديق السيادية الخليجية لشراء ما تبقى من أصول مصرية.
لا مانع لدي من تدفق الاستثمارات العربية والأجنبية على مصر، فهذا مؤشر جيد، بشرط توجه تلك الاستثمارات نحو الاستثمار المباشر، أي تأسيس مشروعات جديدة ومصانع وشركات إنتاجية توفر فرص عمل وتغطي احتياجات الأسواق المحلية أو تساهم في زيادة الصادرات المصرية، أما أن توجه إلى شراء أصول قائمة فهذا هو الخطر بعينه.
صحيح أنه على المدى القصير توفر تلك الصفقات الخليجية وعمليات بيع الأصول سيولة دولارية لخزينة الدولة المصرية تساعد الدولة في احتواء أزمة سوق الصرف وكبح المضاربات على الجنيه، لكن على المدى المتوسط والبعيد هذا هو الخطر الشديد، حيث تُفتح أبوابٌ، مصر في غنى عنها، فمن جهة ستحرم ميزانية الدولة من إيرادات تلك المشروعات التي يتم بيعها عقب الاستحواذ عليها من قبل مستثمرين أجانب أو عرب، ومن جهة سيحول أصحاب تلك المشروعات أرباحهم السنوية في نهاية كل عام، وهو ما يشكل ضغطاً شديداً على الإيرادات الدولارية للدولة وسوق الصرف الأجنبي، ويمثل ضغطاً متواصلاً على العملة المحلية.
لنتعلم من تجارب الدول الرأسمالية ولا أقل الشيوعية، فرغم إيمان تلك الدول المطلق بحرية السوق وأهمية القطاع الخاص في مساندة الاقتصاد وقطاعي الإنتاج والتشغيل والاستثمار المباشر، لكنها تضع قيوداً شديدة على الاستثمار الأجنبي، خاصة في قطاعات حساسة مثل الموانئ والمطارات والبنوك والمستشفيات ومصانع الحديد وغيرها.