ملأت سلع غذائية محلية الصنع الأسواق الروسية كبدائل للمنتجات الأجنبية التي غادرت البلاد، مع انسحاب معظم الشركات الغربية، لكنّ سدّ هذا الفراغ لم يرضِ كثير من المستهلكين الذين أعربوا عن استيائهم من جودة تلك السلع.
ومنذ غزت روسيا أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022، واجهت روسيا هجرة جماعية للشركات الغربية العاملة في مختلف القطاعات، فيما عملت الحكومة على طرح بدائل محلية، خاصة في مجال الصناعات الغذائية، لتشهد البلاد انتشار العديد من المنتجات بينما كانت غير رائجة من قبل.
تراجع جودة الكثير من المنتجات
ورغم سدّ احتياجات السوق، فإنّ مواطنين شكوا من تراجع جودة الكثير من المنتجات مقارنة بالسلع الأجنبية التي كانت تملأ أركان الأسواق، قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، والعقوبات الغربية الواسعة ضد موسكو.
المواطنة الروسية إيكاترينا من موسكو، التي فضلت عدم ذكر اسمها كاملاً، قالت لـ"العربي الجديد": "المنتجات الروسية البديلة متوفرة بشكل كبير، وليست سيئة في المجمل لكن الكثير منها أقل جودة من المنتجات الغربية... على سبيل المثال، معظم المشروبات البديلة مثل دوبري وغيرها كبدائل روسية عن كوكا كولا وبيبسي ليست ناجحة تماماً ولا حتى قريبة من المنتج الغربي، وأعتقد أنها باءت بالفشل من وجهة نظري، وانتشارها في الأسواق لا يعني نجاحها، وإنما هي بدائل للسلع الغربية المنسحبة".
وفي مارس/ آذار من العام الماضي، علقت "كوكا كولا" و"بيبسي" و"ماكدونالدز" و"ستاربكس" عملياتها في روسيا، وذلك من بين كثير من الشركات الأميركية والأوروبية التي انسحبت من السوق بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا.
وقالت المواطنة ناستيا لـ"العربي الجديد" إنّ "العديد من المنتجات البديلة تحاول الاقتراب في مواصفاتها من المنتجات الغربية، أو بمعنى أدق تحاول تقليدها، لكن حتى الآن، لا أرى أيّاً من المنتجات البديلة وصلت إلى ما تصبو إليه... ما نراه مجرد استغلال للوضع من قبل رجال أعمال روس للتسويق لمنتجاتهم التي كانت غير رائجة من قبل".
وفي أعقاب توالي العقوبات الغربية على روسيا، أكدت الحكومة الروسية دعمها الشركات الوطنية المتضررة من العقوبات، وأعلنت عن مجموعة من الإجراءات للحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي في البلاد، كذلك أطلقت برامج لاستبدال الواردات الغربية.
وقال المواطن يوري سميرنوف: "حتى أكون منصفاً هناك منتجات بديلة مقبولة مقارنة بالغربية، لكن ليست جميع المنتجات، فمثلاً البديل الروسي لماكدونالدز بالنسبة لي مقبول... لا أشعر بالفرق الكبير عندما أشتري وجبات من هناك".
وفي الأيام الأولى من اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، هيمنت حالة من الذعر على الأسواق الروسية، ولا سيما بعد قفزات في سعر صرف الدولار في بورصة موسكو، الذي وصل إلى أكثر من 100 روبل، لكن سرعان ما أحكمت موسكو سيطرتها على الأسواق، واتخذت إجراءات أعادت سعر الصرف إلى مستويات ما قبل الحرب في غضون أسابيع وطرحت بدائل محلية، وكذلك من دول آسيوية، على رأسها الصين، لتعويض انسحاب الشركات الغربية وحجب منتجاتها.
وفرة في السلع على خلاف المتوقع
وفي مقابل الشكاوى من تراجع جودة المنتجات البديلة، لم تتعرض الأسواق إلى أزمة ندرة في السلع على خلاف المتوقع من جانب دول العقوبات مع انسحاب الشركات الغربية.
واعتبر مدير مركز بحوث مجتمع ما بعد الصناعية، فلاديسلاف إنوزيمتسيف، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد" أن صمود الاقتصاد الروسي يرجع إلى اكتفائه الذاتي النسبي مجتمعا مع التحركات العاجلة للمصرف المركزي في بداية الأحداث لمنع استمرار تهاوي الروبل، وما كان سيترتب على ذلك من تداعيات.
بل عملت روسيا على ضمان استمرار صادراتها إلى ما وصفتها بالدول الصديقة، إذ قالت نائبة رئيس الوزراء، فيكتوريا أبرامشينكو، لوكالة سبوتنيك، يوم السبت الماضي، إن "روسيا عززت صادراتها الغذائية إلى الدول الصديقة بنسبة 25% في عام 2022 على أساس سنوي بغض النظر عن كل الصعوبات"، مشيرة إلى أن روسيا تصدّر منتجات غذائية إلى 150 دولة، ولم تواجه أي مشاكل مع عملائها.
وكانت وزارة الزراعة الروسية قد أكدت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أنها نجحت في إعادة توجيه صادراتها إلى أسواق أخرى استجابة للعقوبات التي فرضها الغرب، حيث كان تركيزها على دول مثل الصين وتركيا وكازاخستان.
وإلى جانب اكتفاء روسيا، خاصة في السلع الغذائية، عملت الشركات الصينية على ملء الفراغ الذي خلّفه رحيل كثير من الشركات الغربية في قطاعات أخرى. إذ قال رئيس الاتحاد الروسي الآسيوي للصناعيين ورجال الأعمال، فيتالي مانكيفيتش، في تصريح لوكالة تاس الروسية مؤخراً، إنّ التعاون الروسي الصيني غالباً ما كان يوصف بعبارة "دافئ في السياسة، بارد في الاقتصاد"، لكن الوضع يتغير حالياً بشكل جذري في ما يتعلق بالتعاون الاقتصادي.
وأوضح مانكيفيتش: "أصبح عدد كبير جداً من المنافذ متاحاً للشركات الصينية في مجموعة متنوعة من القطاعات، وهم (الصينيون) لا يضيعون الوقت في محاولة ملء هذه المنافذ".
وأضاف: "على خلفية انهيار التعاون مع الدول غير الصديقة، تعمل روسيا بقوة على بناء تعاون اقتصادي مع الصين.. فرص التعاون الاقتصادي بين البلدين هائلة"، مشيراً إلى أنّ رحيل العلامات التجارية الغربية من روسيا فرصة للصينيين.
ولفت إلى أنّ الاتحاد تلقى عدداً متزايداً من الطلبات من الشركات الصينية لمساعدتها في دخول السوق الروسية، مضيفاً: "لا يسعى الاتحاد لجلب المنتجات الصينية إلى السوق الروسية فحسب، بل يسعى أيضاً إلى تحفيز ظهور مشاريع مشتركة في روسيا".