يتخوف الفلسطينيون من أزمة اقتصادية تطاول محافظات الضفة الغربية على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لا سيما أن الاحتلال يسيطر على حركة المعابر بما فيها من صادرات وواردات للتجارة الفلسطينية، وتحديدًا في ما يخص المخزون الغذائي وما يحتويه من سلع أساسية يحتاجها المواطن، مثل: الأرز، والزيت، والطحين، والخضروات.
وأصدرت وزارة الاقتصاد الفلسطيني بيانًا مقتضبًا، أول من أمس، طالبت فيه الفلسطينيين بعدم التهافت على شراء السلع بكثرة، وجاء في البيان: "السلع الأساسية في السوق تكفي المواطنين لمدة ثمانية أشهر، والطحين لمدة ثلاثة أشهر بشكل متواصل دون انقطاع، مع استمرار توريد السلع للسوق الفلسطيني".
توريد الدقيق في خطر
المشكلة التي ستواجه الفلسطينيين في توفر المواد الأساسية مرتبطة بالدرجة الأولى بالطحين أو "الدقيق"، حيث لا يمكن تخزينه لمدة تطول عن الأسبوعين، ما يجعله أقل السلع الأساسية توفرًا، كما يقول رئيس نقابة تجار المواد الغذائية، وسيم الجعبري حيث أوضح في حديث لـ"العربي الجديد" أن النقابة أوعزت إلى التجار بتكثيف شراء السلع الأساسية من "الأرز والسكر والطحين" تجنبًا لمخاوف تعطل السلع المستوردة في الميناء الإسرائيلي جراء استمرار الحرب، مشيرًا إلى أنه قرار "مغامر" قد يؤدي لخسائر اقتصادية على التجار.
من جانب آخر، يوضح الجعبري أن السوق الفلسطينية تعتمد على الاستيراد من إسرائيل بشكل ملحوظ، حيث يحتل الطحين المستورد من حيفا بالداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، حصّة لا تقل عن 30 بالمائة من سوق الطحين في المحلات الفلسطينية، وبالتالي عدم توريده يؤثر سلبًا على المخزون الفلسطيني، وحال استمر التوريد فإن الكلفة ستواصل الارتفاع، حيث ارتفعت منذ السبت الماضي حتى الآن، بنسبة لافتة من شأنها أن ترفع الأسعار على المواطن المستهلك.
أزمة يقابلها عدم جهوزية
لم يكن الفلسطينيون جاهزين لهذه الأزمة كما في الأزمات السابقة التي أعقبت الحرب الروسية في أوكرانيا، أو موجة كورونا، حيث إن الاقتصاد الفلسطيني يعتمد على الاستيراد وتحديدًا من تركيا وأوكرانيا، والمصانع المحلية لا تفي بالغرض من حيث تغطية حاجة المستهلك الفلسطيني، ما يوحي بأزمة اقتصادية حال استمرار الحرب، لا سيما أن الحلول والبدائل بحسب ما يراه الجعبري غير متوفرة لدى الجانب الفلسطيني.
ومن بين الأمور التي تخلق أزمة على الاقتصاد الفلسطيني، ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الشيكل الإسرائيلي، إذ يوضح الجعبري أن التاجر الفلسطيني يشتري السلع الأساسية من الخارج بالدولار الذي ارتفع مقابل الشيكل، وبالتالي ترتفع أسعار السلع على المستهلك.
يقول الجعبري: "نحن منذ بدأت الحرب على قطاع غزة في غرفة عمليات مشتركة مع حماية المستهلك ووزارة الاقتصاد والتجار، واتخذنا قرارًا بمعاقبة أي تاجر يرفع الأسعار على المستهلك، ولن نسمح بمرور ظاهرة تجار الحروب، لكننا نطالب المواطنين بعدم الهلع والمبالغة في الشراء".
من جانبه، يقول الباحث الاقتصادي في اتحاد الاقتصاديين الفلسطينيين، ثابت أبو الروس لـ"العربي الجديد" إن "السلطة الفلسطينية تُعتبر مستوردا كبيرا جدا، وليست دولة مصدرّة، لذا تعتبر الحلقة الأضعف في الأزمات الاقتصادية، وبالتالي تتوجه للحل التوعوي أكثر من العملي عبر خطة توعية جماهيرية، لعدم التسرع في شراء المواد التموينية والرقابة على التجار، وهي خطة مجدية إلى حدٍ ما".
الحرب واستهلاك المستوطنين
يرى أبو الروس أن الحرب على غزة ألقت بظلالها على الضفة الغربية نتيجة التصعيد الميداني والتضييقات الإسرائيلية، حيث تقطعت أوصال الطرق بين محافظات الشمال في جنين، والجنوب مع الخليل، وبالتالي وقف نقل السلع، وحال تم النقل يظهر ارتفاع كلفة النقل داخليًا عدا عن كلفة النقل من الجانب الإسرائيلي.
ويوضح أبو الروس أن توصية الجيش الإسرائيلي للمستوطنين بتخزين المياه والغذاء والإمدادات الأخرى لمدة ثلاثة أيام على الأقل، ستكون على حساب المواطن الفلسطيني، نظرًا للارتباط المباشر بين الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي، كما أن رفع عدد جنود جيش الاحتلال في حالة الحرب، ينعكس على ارتفاع الاستهلاك لدى الجيش، على حساب حصّة الوارد للمتاجر الفلسطينية.
بدائل أخرى
نظرًا لعدم توفر السلع الأساسية لدى الفلسطينيين بشكل كبير، هناك بدائل من المنتجات التقليدية من شأنها أن تمدد صمود الاقتصاد الفلسطيني، منها الثروة الحيوانية والمنتجات الزراعية المحلية، وفق أبو الروس، الذي يقول إن "الصادرات الفلسطينية ستتأثر بفعل الإغلاقات، وبالتالي السيولة النقدية ستتراجع في السوق الفلسطيني".
ويرى الباحث الاقتصادي أن الشعب الفلسطيني قادر على التعايش مع الأزمات الاقتصادية ضمن الحد الأدنى من المقومات، قائلًا: "هذه ليست الحرب الأولى على غزة والتي تنتج عنها تضييقات، حيث مرّ الشعب الفلسطيني بحروب أخرى فترة الانتفاضة الأولى والثانية، لذا فإن صمود المواطن الفلسطيني على الأزمة الاقتصادية أكثر من غيره لدى المستوطن الإسرائيلي على سبيل المثال".
من جانبه، يؤكد الوكيل المساعد للقطاع الاقتصادي في وزارة الزراعة الفلسطينية، طارق أبو لبن، في حديث لـ"العربي الجديد" أن عوامل عدة أثرت سلبًا على الاقتصاد الزراعي، ما أدى إلى تباين واضح بين الأسعار قبل العدوان على غزة وبعده، وتحديدًا ارتفاع أسعار الخضروات حيث توقفت حركة توريدها من الداخل المحتل، بالإضافة إلى تعطل توريد منتجات قطاع غزة الزراعية، وقطع الطرق على المزارعين في نقل محاصيلهم بين المحافظات في الضفة وبين القرى والمدن، نتيجة سياسة الإغلاقات التي يمارسها الاحتلال، ذلك كله أدى إلى اختلال في ميزان العرض والطلب.
ووفق أبو لبن، أوعزت وزارة الزراعة إلى الجهات المختصة بمراقبة أسعار السوق لتبقى ضمن الحدود المعقولة.
ويقول: "هناك سلع أخرى فيها وفرة من المنتجات الحيوانية، حيث ظهر حسب متابعتنا الميدانية كساد كميات كبيرة منها في السوق وبالتالي انخفاض الأسعار، لكن المنتجات الزراعية بشكل عام من المتوقع أن ترتفع أسعارها، والآن نحن في فترة زراعة محاصيل جديدة تؤمن لنا فترة طويلة حال استمرت الحرب، وتبقى المخاوف مرتبطة بمنع الحركة وتبادل البضاعة".