بينما كشفت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون عن إجراءات حظر صارمة ضد روسيا، من بينها طرد مجموعة كبيرة من البنوك التجارية الرئيسية من نظام الحوالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت)، قال محللون لصحيفة "موسكو تايمز" الروسية، التي تصدر في العاصمة موسكو، إن البلاد تواجه أسوأ أزمة مالية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991.
ولا يستبعد محللون أن تتعرض بعض البنوك التجارية للإفلاس وسط عجزها عن تلبية سحوبات المودعين الذين اصطفوا في طوابير طويلة لسحب أموالهم من المصارف وشراء العملات الأجنبية خوفاً من الخسارة وسط التراجع غير المسبوق في العملة الروسية.
وكان البنك المركزي قد اتخذ إجراءات للحيلولة دون تهاوي الروبل، من بينها رفع سعر الفائدة إلى 20%، وتعليق التداول في البورصة، ومنع الأجانب من بيع الأصول في الشركات الروسية، واستئناف شراء الذهب في السوق المحلية، كما أطلق مزاداً لعملية إعادة شراء بلا حدود، وتخفيف القيود على المراكز المفتوحة للعملات الأجنبية لدى البنوك.
ولا يستبعد محللون أن تتعرض بعض البنوك التجارية للإفلاس وسط عجزها عن تلبية سحوبات المودعين الذين اصطفوا في طوابير طويلة لسحب أموالهم
وفي هذا الصدد، توقع مصرف "جي بي مورغان تشيس" في مذكرة للمستثمرين، الإثنين، انكماش اقتصاد روسيا بنحو 20% في الربع الثاني من العام الجاري، وبنحو 3.5% عن إجمالي 2022، بفعل تداعيات غزو أوكرانيا وتطبيق عقوبات اقتصادية على موسكو.
وقال المصرف الأميركي في المذكرة إنّه في حال تطبيق العقوبات الجديدة بالفعل على روسيا، فإنّ تداعيات ذلك على الاقتصاد ستكون خطيرة للغاية، وأشار إلى أنّ الركيزتين الأساسيتين للاقتصاد حتى في خضم تباطؤ النمو وارتفاع التضخم وأسعار الفائدة المرتفعة هما "احتياطيات العملات الأجنبية لنظام المدفوعات العالمي العابر للحدود، وفائض الحساب الجاري".
كما حذر البنك الأميركي من إمكانية ارتفاع التضخم إلى 10% بحلول نهاية العام الجاري مع ميل المخاطر إلى الاتجاه الصعودي. ويقدر حجم الاقتصاد الروسي بنحو 1.71 تريليون دولار، وفقاً لبيانات البنك الدولي.
وكان البنك المركزي الروسي قد قرر، الإثنين، رفع سعر الفائدة الرئيسي إلى مستوى 20% سنوياً، في ظل الضغوط التي تتعرض لها العملة الروسية. وبذلك يكون البنك قد رفع الفائدة من 9.5% إلى 20%، للمرة الأولى منذ سبتمبر/ أيلول 2013.
وحسب صحيفة "موسكو تايمز"، التي تصدر بالإنكليزية في العاصمة الروسية، فإنّ خطوة رفع الفائدة فشلت في وقف الانهيار المتواصل في سعر صرف العملة الروسية التي انهارت في تعاملات الإثنين، لكن حسب الصحيفة، فإنّ الصرافات في أنحاء العاصمة موسكو تبيع الدولار بسعر أعلى من 100 روبل، بل إنه بلغ 119 في بعض المناطق.
وفي سنغافورة، قفز سعر صرف الدولار إلى مستوى قياسي بلغ 119 روبلاً في المعاملات الآسيوية، وفق "رويترز"، ليسجل الدولار بذلك مكاسب بنسبة 53.7% أمام الروبل، خلال فبراير/ شباط الماضي.
يواجه البنك الروسي أزمة في الاحتياطات الأجنبية بسبب تجميد الدول الغربية نحو 40% من أصوله المقدرة بنحو 630 مليار دولار
وتتواصل الصفوف الطويلة لسحب الإيداعات من البنوك الروسية ليس في روسيا فقط، لكن في جميع أنحاء أوروبا.
ويواجه البنك الروسي أزمة في الاحتياطات الأجنبية بسبب تجميد الدول الغربية نحو 40% من أصوله المقدرة بنحو 630 مليار دولار، حسب تعليقات خبراء ماليين للصحيفة.
وكانت كلٌّ من بريطانيا والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي قد اتخذت إجراءات تقييدية لأصول البنك المركزي الروسي.
وينتظر الروس في طوابير أمام ماكينات الصرف الآلي، قلقين من أن تؤدي العقوبات الغربية الجديدة بسبب غزو روسيا لأوكرانيا إلى نقص في السيولة وتعطيل المدفوعات.
ومن المتوقع أن تؤدي التحركات الرامية إلى عزل بعض البنوك الروسية من نظام المدفوعات العالمي (سويفت) وتجميد احتياطيات البنك المركزي الروسي إلى ضربة اقتصادية شديدة، على الرغم من سعي السلطات والبنوك الروسية إلى تهدئة المخاوف.
من جانبه، قال وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف، أمس، وفقاً لصحيفة "موسكو تايمز"، إن الوزارة ستفرض على الشركات الروسية بيع 80% من دخل العملات الأجنبية الناتجة عن الصادرات في السوق المحلية. وهي خطوة قصد منها دعم سعر الروبل المنهار.
ووفقاً للبيانات الرسمية الروسية، بلغت صادرات روسيا في العام الماضي، 2021، نحو 600 مليار دولار. وهذا يعني أن وزارة المالية ستجبر الشركات على ضخ نحو 480 مليار دولار من دخل صادراتها في السوق، أي نحو 1.5 مليار دولار يومياً.
وترمي الخطوة إلى تهدئة سوق العملات الصعبة في وقت يعاني فيه البنك المركزي من نقص الاحتياطات بالعملات الأجنبية. وفي هذا الصدد، يتجه منظمو الإجراءات المالية في روسيا لحظر بيع الأجانب أصولهم في الشركات المسجلة أسهمها للتداول منعاً لهروب العملات الصعبة من البلاد.
وزارة المالية ستجبر الشركات على ضخ نحو 480 مليار دولار من دخل صادراتها في السوق، أي نحو 1.5 مليار دولار يومياً
من جهة أخرى، أعلن البنك المركزي أنه سيبدأ في شراء الذهب مرة أخرى، بعد أقل من عامين من إنهاء موجة الشراء التي استمرت طويلاً، وذلك بعد فرض عقوبات على عدد من البنوك التجارية في البلاد ردًا على الغزو الروسي لأوكرانيا.
وبعدما أمضى البنك ست سنوات في شراء الذهب، توقف في مارس/ آذار 2020 مع ارتفاع الأسعار في بداية الوباء، وحافظ إلى حد ما على مخزونه ثابتاً منذ ذلك الحين. وذكر البنك أيضاً أنّه سيحرر 733 مليار روبل (8.78 مليارات دولار)، من احتياطيات البنوك المحلية لتعزيز السيولة.
ووسط مبيعات مكثفة للأسهم في البورصة الروسية وهروب كبير من أسهم البنوك والشركات المالية المهددة بالطرد من نظام "سويفت"، أعلن البنك المركزي الروسي عن إغلاق سوق الأسهم، الإثنين، ولم يعرف ما إذا كان سيتم استئناف التداولات اليوم الثلاثاء أم لا.
وفي هذا الشأن، يرى المحلل الاستراتيجي لدى مصرف "كريدي سويس غروب" زولتان بوزار أنّ حظر بعض البنوك الروسية من نظام المدفوعات الدولي "سويفت" قد يدفع البنوك المركزية لتعزيز السيولة.
وأوضح بوزار في مذكرة، يوم الأحد، أن قرار استبعاد عدد من المصارف الروسية من "سويفت" قد يؤدي إلى عدم سداد مدفوعات وعمليات سحب على المكشوف داخل النظام المصرفي الدولي، وتحفيز السلطات النقدية على إعادة تنشيط العمليات اليومية لتزويد السوق بالدولارات.
وأضاف أنّ الاستبعاد من "سويفت" سوف يؤدي إلى التخلف عن سداد مدفوعات وعمليات سحب على المكشوف مماثلة لما شهدناه في مارس/ آذار من العام 2020.
ويرى بوزار أن الاحتياطيات الفائضة الحالية وآليات اتفاقات إعادة الشراء العكسي لن تكون كافية، وستحتاج السلطات النقدية إلى التدخل، وبالتالي فإن الاحتياطي الفيدرالي الذي كان يمهد الطريق لتقليص ميزانيته العمومية من خلال التشديد الكمي قد يلجأ إلى توسيعها مرة أخرى أولاً.