أسعار النفط تؤجج غضب المستهلكين... وأوبك تتمسك بمكاسبها

11 نوفمبر 2021
محطة وقود في ولاية كاليفورنيا الأميركية (Getty)
+ الخط -

بدا منتجو النفط أكثر تحوطاً في التعامل مع الأسواق العالمية، إذ لم تكن الضربة التي تعرّضوا لها مع انهيار الأسعار في السنوات الأخيرة بالهينة، ما يدفعهم إلى التمسك بزمام الأمور هذه المرة مع صعود أسعار الخام مجدداً، وتجاهل ضغوط واشنطن وكبار المستهلكين.

وتتسم سياسة "أوبك" وحلفائها من كبار المنتجين، على رأسهم روسيا، بالهدوء في التعامل مع ردة فعل المستهلكين الغاضبين من فورة الأسعار.

إلا أن محللين يرون أن تمسّك تحالف المنتجين بضبط الإمدادات يعد بمثابة رد للركلة التي تعرّضوا لها من قبل، بفعل تخمة المعروض التي أحدثها النفط الصخري الأميركي، وضغوط واشنطن خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لخفض الأسعار، فضلا عن تداعيات جائحة فيروس كورونا الجديد التي جرفت الأسعار للهاوية في العام الماضي.

وقفزت أسعار النفط منذ مطلع العام الجاري بأكثر من 70%، ما يرفد خزائن المنتجين، لا سيما دول الخليج، التي توقع صندوق النقد الدولي، قبل يومين، ارتفاع احتياطياتها الأجنبية بين 300 و350 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، مستفيدة من الارتفاع الكبير للأسعار.

 "بنك أوف أميركا" توقع ارتفاع سعر النفط إلى 120 دولاراً للبرميل بنهاية يونيو/حزيران من العام المقبل

ولا يبدو أن دول الخليج قد تتخلى بسهولة عن هذه المكاسب، بعد أن عانت مالياتها على مدار السنوات الماضية من عجز مالي واضطرت للاستدانة من الأسواق الدولية، بينما تعوم على ثروات هائلة من النفط والغاز.

ورغم ظهور تحالفات مناوئة للوقود الأحفوري بهدف تحجيمه، إلا أن هذا الهدف قد لا يكون قريب المنال، في ظل الأصول الضخمة التي تتحرك في فلك النفط والغاز، فضلا عن أن دول الخليج لا تزال بعيدة عن تنويع مصادر الدخل، ما يجعلها أكثر تمسكاً بثرواتها الباطنية.

فقد واصلت أسعار خام برنت رحلة صعودها في العقود الآجلة فوق 85 دولاراً للبرميل، كما تخطى خام غرب تكساس الوسيط 84 دولاراً للبرميل، أمس الأربعاء، بعدما كشفت بيانات أن مخزونات الخام الأميركية انخفضت على نحو غير متوقع في الأسبوع الماضي، مع بدء تعافي الطلب على السفر وتخفيف قيود مكافحة الجائحة.

ولامس الخامان أعلى مستوياتهما في أسبوعين، إذ كشفت بيانات معهد البترول الأميركي، عن تراجع مخزونات الخام في الولايات المتحدة بنحو 2.5 مليون برميل، في الأسبوع المنتهي في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وهو ما يتخطى بكثير توقعات المحللين.

نفط العراق (حسين فالح/ فرانس برس)

وقال راسل هاردي، رئيس مجموعة "فيتول"، أكبر متداول نفط مستقل في العالم، إن الطلب العالمي قد تعافى إلى مستويات ما قبل الوباء لعام 2019، ومن المتوقع أن يرتفع أكثر في أوائل 2022.

وأضاف هاردي، خلال مشاركته عبر الإنترنت في مؤتمر "رويترز لتجارة السلع"، وفق ما نقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية، مساء الثلاثاء، أن العرض والطلب في السوق "سيكونان شديدين" خلال الـ 12 شهراً القادمة، كما أن ارتفاع الأسعار إلى 100 دولار للبرميل "أمر محتمل بالتأكيد".

وتابع أن سوق النفط ستظل مشددة، حيث يمتلك منتجو "أوبك" حالياً ما بين مليوني برميل وثلاثة ملايين برميل يومياً من الطاقة الإنتاجية الفائضة، بينما نمو إنتاج النفط الأميركي سيكون أقل من مليون برميل من النفط يومياً في عام 2022، مما يشير إلى أن التوازن بين العرض والطلب سيظل ضيقاً.

كما قال بنك الاستثمار الأميركي "جيه بي مورغان تشيس" وشركة بريتش بتروليوم، في وقت سابق من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، إن الطلب العالمي على النفط عاد تقريبا إلى مستوياته قبل الجائحة عند مستوى 100 مليون برميل يومياً.

وبينما توقع العديد من بنوك الاستثمار وصول سعر النفط إلى 100 دولار للبرميل في العام المقبل، رأى "بنك أوف أميركا" أن الأسعار قد تكسر هذه المستويات لتصل إلى 120 دولاراً للبرميل بنهاية يونيو/حزيران من العام المقبل.

ويأتي انتعاش الطلب على النفط واستمرار الأسعار في الصعود، في الوقت الذي ظهرت فيه دعوات لتشكيل تحالف مناوئ للوقود الأحفوري، وكذلك مناقشة قادة العالم في مؤتمر غلاسكو مكافحة تغير المناخ بالاعتماد على بدائل خضراء للطاقة.

لكن داميان كورفالين، محلل شؤون النفط في بنك "غولدمان ساكس" الأميركي، قال في مذكرة إن "الطلب في موسم الشتاء وانتعاش الطلب الدولي على وقود الطائرات يعنيان أن الاستهلاك سيصل إلى مستويات قياسية في أوائل العام المقبل".

وبعد أكثر من عام من انخفاض الطلب على الوقود، عاد استهلاك البنزين ومشتقات النفط الأخرى إلى الصعود في الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للوقود في العالم، وكذلك الأمر في مختلف الاقتصادات الكبرى.

كما تدعمت أسعار الخام بفعل المخاوف حيال النقص في الفحم والغاز في الصين والهند وأوروبا، ما دفع للتحول إلى الديزل وزيت الوقود لتوليد الطاقة.

كما تتعزز الأسعار بالقيود على المعروض من جانب منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفائها، وهي المجموعة المعروفة باسم "أوبك+". واتفق التحالف، الأسبوع الماضي، على التمسك بخطته الرامية إلى زيادة الإنتاج تدريجيا.

وفي الوقت الحالي، يرفع تحالف "أوبك+" الإنتاج اليومي بمقدار 400 ألف برميل، ويقاوم ضغط الأسواق العالمية لإنتاج المزيد، إذ اتفق على هذه الزيادة في يوليو/تموز الماضي، لتستمر كل شهر حتى إبريل/نيسان 2022 على الأقل، للتخلص تدريجيا من تخفيضات تبلغ 5.8 ملايين برميل يومياً.

وأضحت الأسعار المتصاعدة تمثل تحدياً للرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يسعى بكل الطرق للضغط على أوبك من أجل زيادة الإمدادات، حيث نقلت وكالة بلومبيرغ عن مسؤول أميركي كبير، قوله، على هامش قمة العشرين في روما نهاية الشهر الماضي، إن الولايات المتحدة تتحدث مع دول أخرى مستهلكة للنفط حول كيفية الضغط على تحالف "أوبك+" المكون من 23 دولة.

 صندوق النقد الدولي يتوقع ارتفاع الاحتياطيات الأجنبية لدول الخليج بين 300 و350 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة

ومطلع الأسبوع الجاري، كشفت وزيرة الطاقة الأميركية جينيفر غرانهولم، أن إدارة بايدن تفكر في استخدام الاحتياطي النفطي الاستراتيجي كوسيلة يمكن أن تساعد في خفض الأسعار، مضيفة أن "الرئيس لا يريد أن يرى سعر الوقود يلحق الضرر بأناس حقيقيين"، وأن أسعار الوقود المرتفعة، مثل تلك التي شوهدت في أوروبا، غير مقبولة في الولايات المتحدة. وتابعت أن بعض الفقراء ينفقون ما يصل إلى 30% من دخولهم الشهرية على الوقود.

لكن اللجوء إلى الاحتياطي الاستراتيجي ينطوي على مخاطر رغم تخفيفه صدمة الأسعار، حيث يبلغ الاحتياطي حالياً نحو 612 مليون برميل، ويهدف في المقام الأول إلى تخفيف وطأة الكوارث الاقتصادية التي قد تتسبب فيها أحداث مثل الأعاصير أو الكوارث الطبيعية الأخرى.

أبرز الرابحين والخاسرين من ارتفاع أسعار النفط (العربي الجديد)

لذا حذّر متعاملون في سوق النفط من أن اللجوء المحتمل إلى الاحتياطي الاستراتيجي قد يكون له تأثير ضئيل، حتى مع طرح إدارة بايدن للفكرة كوسيلة للتأثير على الأسعار.

وبعد احتساب المبيعات الإلزامية التي يوافق عليها الكونغرس مسبقاً، والحد الأدنى المطلوب في مواقع التخزين، من المحتمل أن تتمتع إدارة بايدن بالقدرة على استخدام 60 مليون برميل كحد أقصى فقط، وفقاً لمصدر في واحدة من أكبر شركات تجارة النفط في العالم، طلب عدم الكشف عن هويته، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ، مطلع الأسبوع الجاري. وتعادل هذه الكمية، ما يزيد قليلاً عن ثلاثة أيام من متوسط الاستهلاك في الولايات المتحدة، بالنظر إلى مستويات 2020.

كما يهدد صعود أسعار النفط خطط بايدن وقف واردات نفطية من كندا بسبب السلامة البيئية. إذ أعلن البيت الأبيض، يوم الاثنين الماضي، أنه ينتظر دراسة سلاح المهندسين في الجيش الأميركي قبل اتخاذ قرار بشأن مناقشة مستقبل خط أنابيب النفط المثير للجدل الذي سينقل النفط الكندي عبر البحيرات العظمى إلى ولاية ميشيغان.

وأثارت التكهنات بأن بايدن كان يفكر في إغلاق هذا الخط، كما فعل أخيراً مع مشروع "كيستون إكس إل" التابع لشركة "تي سي إنيرجي كورب"، ردود فعل غاضبة بين الجمهوريين، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من ارتفاع أسعار كل شيء، بدءاً من غاز الطهي إلى البنزين.

لذا، يرجح محللون أن تشتد حدة الضغوط على أوبك وحلفائها لضخ المزيد من الإمدادات لتهدئة الأسعار، بيد أن الاستجابة للضغوط قد تعرّض التحالف للتصدع، بينما واجه صعوبات كبيرة من أجل توحيد صفه خلال الأشهر الماضية لوضع حد لانهيار الأسعار الذي جاء في صالح كبار المستهلكين عالمياً.

وتُخرج أسعار النفط المتصاعدة دول الخليج من دائرة الانكماش التي سجلتها العام الماضي، إذ توقع البنك الدولي، في أغسطس/آب الماضي، أن تنمو اقتصادات دول الخليج بنسبة 2.2% في العام الجاري، بعد انكماش 4.8% في 2020.

كما أظهرت بيانات صادرة عن مركز الإحصاء الخليجي، في أغسطس/آب الماضي، ارتفاع الأصول الاحتياطية لدول الخليج إلى 664.9 مليار دولار في نهاية يونيو/حزيران الماضي، مقابل 656.7 مليار دولار في مايو/أيار.

ورغم الارتفاع المسجل في قيمة الأصول الاحتياطية، إلا أنها تقل بكثير عن مستوياتها في نهاية 2019، إذ كانت تصل إلى نحو 707.8 مليارات دولار.

 أسعار النفط قفزت منذ مطلع العام الجاري بأكثر من 70%، ما يرفد خزائن المنتجين بالمكاسب، لا سيما دول الخليج

وفي أكتوبر/تشرين الأول، توقع معهد التمويل الدولي أن تشهد دول الخليج فوائض في ميزان المعاملات الجارية تبلغ 165 مليار دولار هذا العام، و138 مليار دولار في العام القادم، بعد عجز بلغ ستة مليارات في العام الماضي. بينما يرجح محللون أن تزيد الفوائض عن توقعات المعهد، إذ إنه استند فيها إلى سعر للنفط عند 71 دولاراً للبرميل هذا العام، و66 دولاراً للبرميل العام المقبل.

كما لا يتوقع أن يؤتي الضغط الأميركي والأوروبي نحو زيادة مصادر الطاقة النظيفة ثماره في الأجل القريب. إذ تظهر بيانات مصرفية أن البنوك العالمية قدمت تسهيلات لتمويل الوقود الأحفوري منذ اتفاقية باريس للمناخ عام 2015 بما يقارب 4 تريليونات دولار، وحصلت على إيرادات ورسوم من تلك العمليات تعادل 17 مليار دولار، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبيرغ، بينما قدمت في المقابل تمويلات بنحو 1.5 تريليون دولار للاستثمارات الخضراء خلال الفترة ذاتها.

المساهمون