أسعار القمح هادئة رغم رفض موسكو تمديد اتفاق الحبوب

19 يوليو 2023
مزرعة قمح في ولاية كاليفورنيا (Getty)
+ الخط -

رغم المخاوف الكبيرة التي تنتاب الدول من تداعيات عدم تجديد روسيا لاتفاقية الحبوب الأوكرانية، فإن الآثار على أسعار الغذاء العالمي قد لا تصل إلى مستويات الكارثة مثلما حدث في الأشهر الأولى التي تلت غزو روسيا لأوكرانيا، وذلك لأن الإنتاج العالمي من الحبوب أفضل مما كان عليه في العام الماضي.

وحسب بيانات بورصة شيكاغو قفزت العقود الآجلة للقمح في مجلس شيكاغو للتجارة بنسبة 2.7% إلى 6.80 دولارات للبوشل (وحدة قياس) في نهاية تعاملات الاثنين، وارتفعت العقود الآجلة للذرة الشامية بنسبة 0.94% لتصل إلى 5.11 دولارات للبوشل بسبب مخاوف التجار من نقص المعروض من القمح.

وتشير بيانات بورصة شيكاغو إلى أن أسعار القمح تخلت عن المكاسب في التعاملات الصباحية أمس الثلاثاء، قبل أن تعاود الارتفاع بنحو 8 دولارات إلى 662.25 دولارا للطن المتري مقارنة بسعر الإغلاق يوم الاثنين البالغ 652.75. وحسب خبراء، ربما تتراوح الأسعار حول هذا المستوى خلال الأسبوع الجاري.

ما يدعم عدم حدوث قفزات في أسعار الحبوب الإشارات الصادرة من موسكو وأنقرة وواشنطن، فقد قالت وزارة الخارجية الروسية أمس الثلاثاء إن الوزير سيرغي لافروف ناقش مع نظيره التركي هاكان فيدان سبل تصدير الحبوب الروسية عبر طرق "لن تكون عرضة للتخريب من جانب كييف أو الغرب"، كما أكد الكرملين أن روسيا ستعود على الفور لاتفاق تصدير الحبوب بمجرد تلبية مطالبها.

وقالت الولايات المتحدة إنها ستواصل العمل مع دول أخرى لضمان نقل الحبوب من أوكرانيا بعدما انسحبت روسيا من اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود.

وبالمقارنة مع أسعار القمح في العام 2022، لا تزال الأسعار منخفضة بنسبة 54% عن أعلى مستوى سجلته على الإطلاق في مارس/آذار من العام 2022 بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، بينما تراجعت أسعار الذرة الشامية بنسبة 37% عما كانت عليه في أبريل/نيسان من العام الماضي 2022، عندما وصلت إلى أعلى مستوى لها في 10 سنوات.

وفي مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، أكد إبراهيم عشماوي، مساعد وزير التموين والتجارة الداخلية، أن قرار روسيا وقف اتفاقية الحبوب أدى إلى زيادة أسعار الحبوب. وبالنسبة لمصر قلل من تأثرها بالقرار قائلا في تصريحات صحافية إن مصر لديها من الصوامع ما يكفي لأكثر من 6 أشهر، كما أن لديها سعة تخزينية تصل إلى 5 ملايين طن من القمح.

وقال إن مصر كانت تستفيد من الاتفاقية، وإن القرار الروسي يُحدث تأثيراً بشكل ما، لكن خلال الأشهر القادمة لن تتأثر الدولة المصرية من القرار الروسي نتيجة المخزون الآمن الذي تتمتع به مصر من السلع الإستراتيجية، وسياسة تنويع مصادر الإمدادات من القمح والحبوب من أكثر من 22 منشأ.

وفي سوق الحبوب الدولي تتوقع بيانات مصلحة الزراعة الأميركية المنشورة على موقعها في منتصف يونيو/ حزيران الماضي أن يسجل إنتاج القمح العالمي ارتفاعاً خلال العام الجاري، وأن يسجل القمح الأميركي رقماً قياسياً يبلغ 800.2 مليون طن متري، بزيادة 10.4 ملايين طن متري عن العام الماضي.

كما يتوقع أن يرتفع إنتاج القمح بالاتحاد الأوروبي إلى 140.5 مليون طن متري بزيادة 1.5 مليون طن متري مستفيداً من ظروف النمو المواتية في فرنسا والمجر وإيطاليا. بينما من المتوقع أن تظل معدلات الإنتاج في الصين على حالها عند 140.0 مليون طن متري، وهو نفس مستوى الإنتاج في العام السابق، بينما تتوقع البيانات الأميركية أن يرتفع إنتاج الهند بمقدار 3.5 ملايين طن متري، وأن يزيد إنتاج روسيا بمقدار 3.5 ملايين طن متري إلى 85.0 مليون طن متري.

في ذات الصدد يرى تحليل بمجلس الحبوب العالمي، أن من بين الأسباب التي جعلت القمح يرتفع بهذا المعدل المتواضع يوم الاثنين بعد رفض موسكو تجديد اتفاقية الحبوب، توقعات ارتفاع إنتاج القمح خلال العام الجاري 2023 عن مستوياته في الموسم الماضي.

ورفع المجلس توقعاته لإنتاج القمح العالمي لعام 2022/23 إلى مستوى قياسي بلغ 796 مليون طن، مقارنة بـ 781 مليون طن في الموسم السابق. ومع الانتهاء من حصاد القمح في نصف الكرة الجنوبي، يتوقع المجلس أن يصل إنتاج القمح العالمي في 22/23 إلى 796 مليون طن، وهو أعلى مستوى على الإطلاق.

كما توقع أن تبلغ تجارة القمح العالمية 194 مليون طن في العام الجاري، أي أقل بمقدار 3 ملايين طن عن العام السابق، ولكن بيانات المجلس تتضمن واردات أعلى بشكل حاد من قبل الاتحاد الأوروبي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى عمليات التسليم الوفير التي وصلت إلى أوروبا من أوكرانيا.

من جانبها رفعت شركة IGC المتخصصة في تجارة الحبوب توقعاتها لاستهلاك القمح العالمي إلى 789 مليون طن، بزيادة 5 ملايين طن عن العام الماضي. كما قالت إن مخزونات القمح العالمية تراجعت لعام 2022/23 بمقدار مليون طن لتصل إلى 281 مليون طن.

على صعيد تداعيات تعليق اتفاقية الحبوب على أسعار الغذاء العالمية، من المتوقع أن ترتفع أسعار الغذاء بنسبة متواضعة في حال استمرار موسكو في رفضها لتجديد الاتفاق.

وسجل مؤشر أسعار الغذاء العالمي الذي تنشره منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أعلى مستوى له على الإطلاق في مارس/آذار العام 2022، لكنه انخفض بشكل مطرد منذ ذلك الحين. ويرى خبراء، أن عدم تجديد الاتفاق يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الصادرات الغذائية من أوكرانيا، وبالتالي يقود إلى ارتفاع أسعار الغذاء ويسبب أضراراً بالمكاسب التي تحققت على مستويات خفض معدل التضخم العالمي.

في هذا الصدد قالت كبيرة اقتصاديي السلع في مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس"، كارولين باين، إن الدول الأكثر ثراءً هي أقل عرضة للتداعيات مقارنة بالبلدان الفقيرة في الشرق الأوسط وأفريقيا. وقالت إنه "من الواضح أن الارتفاع المتجدد في أسعار السلع الزراعية سيؤدي إلى ارتفاع أسعار التجزئة للمواد الغذائية، ولكن ربما ليس بالقدر المقلق في الاقتصادات المتقدمة".

وأضافت أن "هناك الكثير من التكاليف بالنسبة القمح بسبب النقل والمعالجة والتعبئة التي تحتاج إلى الطاقة". وفي الأشهر الأخيرة، تجاوز تضخم أسعار المواد الغذائية تضخم أسعار الطاقة وبات المحرك الرئيسي للتضخم في دول مجموعة العشرين.

وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 18.4% في بريطانيا وبنسبة 12.5% في منطقة اليورو في مايو/أيار الماضي مقارنة بمستوياتها في نفس الشهر من العام الماضي 2022. وفي ذات الصدد، قال كبير الاقتصاديين في المجلس الوطني للتسويق الزراعي (نامك) بجنوب أفريقيا، ثابيل نكونجانا، إن الإخفاق في تمديد صفقة الحبوب التي سمحت لدول البحر الأسود بتصدير الحبوب، كان مقلقًا بالنظر إلى مدى أهمية اتفاقية الحبوب في الحفاظ على أسعار الغذاء العالمية.

وأضاف أن أرقام تضخم أسعار الغذاء في أبريل / نيسان ومايو / أيار الصادرة عن مكتب الإحصاء بجنوب أفريقيا أشارت إلى أن أسعار المواد الغذائية في البلاد بدأت في الانخفاض. وقال: "توقعنا انخفاضاً أكبر في الأشهر المقبلة، لأن البلاد تنعم مرة أخرى بوفرة الذرة وفول الصويا.

وقد تم بالفعل استيراد القمح بكميات كبيرة، ولكن من المتوقع أن يكون لعدم تجديد الاتفاق تأثير على أسعار الغذاء بجنوب أفريقيا". وتابع نكونجانا أن مؤشر أسعار الغذاء العالمي لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لشهر يونيو / حزيران أظهر مدى أهمية صفقة الحبوب في الحفاظ على أسعار الغذاء منخفضة.

وقال إن مؤشر أسعار المواد الغذائية بلغ متوسطه 122.3 نقطة، متراجعاً بنسبة 23.4% من الذروة التي بلغها في مارس/آذار من العام الماضي بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية.

المساهمون