تأبى أسعار الغذاء في تونس التراجع رغم نجاح السلطات النقدية في السيطرة على التضخم وخفض نسبته العامة بنحو نقطتين مئويتين خلال العام الحالي، وسط مطالب بإيجاد حلول لتخفيف الأعباء على الأسر المنهكة بفعل الغلاء.
وتشهد أسواق تونس زيادة متسارعة منذ العام الماضي، إذ تأثرت بتبعات الحرب الروسية الأوكرانية كما بقية اقتصادات العالم، فضلا عن تداعيات الجفاف، ما تسبب في تضخم قياسي عالجه البنك المركزي التونسي بزيادة أسعار الفائدة في 5 مناسبات.
وتبرز أحدث البيانات الصادرة عن معهد الإحصاء الحكومي في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت على أساس سنوي بنسبة 11.9%، حيث قفزت أسعار زيوت الطعام بنسبة 29% ولحم الضأن بنسبة 28% ولحم البقر 17.1% وأسعار الغلال بنسبة 11.4%، والقهوة بنسبة 35%.
يقول وزير التجارة السابق والخبير المالي محسن حسن، لـ"العربي الجديد" إن عوامل محلية وأخرى خارجية كانت ولا تزال دافعة لغلاء الغذاء رغم سيطرة البنك المركزي على التضخم نسبياً وتراجع نسبته بنقطتين مئويتين خلال العام الجاري.
وانخفض التضخم خلال الشهر الماضي إلى 8.3% بعدما سجل في فبراير/شباط أعلى مستوياته عند 10.4%.
ويضيف وزير التجارة السابق أن استمرار تأثيرات الجفاف وتقليص المساحات المروية بسبب شح المياه بنسبة 50% من أبرز أسباب تواصل غلاء الغذاء محلياً، مؤكدا أن نقص المعروض يمنع تحسن مؤشرات السوق.
ويشير إلى ضرورة إيجاد حلول لتحسين القدرة الشرائية لشرائح واسعة من التونسيين، والتي باتت تعاني من مديونية مفرطة ونقص السيولة المالية.
ويتابع أنه في ظل "تواصل النسق التصاعدي لأسعار الغذاء، أصبح من الضروري تحسين القدرة الشرائية للأسر عبر مصادر مالية بديلة من بينها خفض سعر الفائدة على القروض لإسعاف ثلثي الأسر المدينة للبنوك".
ويدعم حسن، فكرة زيادة مداخيل الأسر عبر خفض نسبة الفائدة على القروض، معتبراً أن السياسة الحمائية التي يمارسها البنك المركزي لمكافحة التضخم أصبحت مكلفة للعائلات التي لها قروض لدى البنوك.
ويقول " بعد تراجع نسبة التضخم أصبح من الضروري التدرج في خفض نسبة الفائدة والحد من تداعياتها على الأسر والمستثمرين". واظهر بحث لمعهد الاستهلاك الحكومي، أن نحو 43% من الأسر التونسية لديها على الأقل فرد منها مدين للبنوك وإن ثلثي الأسر تعتبر أن الوضعية الاقتصادية الراهنة تحتم عليها الاقتراض.
ووفق المعهد، تخصص الأسر الحاصلة على قروض مصرفية حوالي 43% من مداخيلها لدفع ديونها، وترتفع هذه النسبة الى 60% في بعض الأحيان للعديد من العائلات.
وبينما يبحث التونسيون عن حلول مالية لمواجهة الغلاء، أعلن البنك المركزي، الاثنين الماضي، إبقاء سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند 8%، بعدما تراجعت الضغوط التضخمية.
وخلال السنوات الماضية التهم التضخم والغلاء كل محاولات تحسين موارد الأسر ولا سيما طبقة الموظفين الذين حصلوا على زيادات في الدخول لا تزيد عن 471 ديناراً (حوالي 150 دولاراً) خلال الفترة بين 2015 و2022 وفق بيانات لمعهد الإحصاء الحكومي.
وعلى نحو متصل، كشفت بيانات رسمية لمعهد الإحصاء الحكومي أنّ متوسط الرواتب الشهرية لنحو 670 ألف تونسي يعملون في القطاع الحكومي لا يتجاوز 1387 ديناراً (نحو 450 دولاراً) شهرياً، بينما يحتاج تحقيق العيش الكريم لأسرة تتكون من 4 أفراد وفق دراسة أجرتها منظمة "إنترناسيونال ألارت تونس" في مارس/ آذار 2021 إلى ما لا يقل عن 2400 دينار.