عادت أسعار الطاقة سريعاً إلى الاستقرار، أمس الثلاثاء، بعد ارتفاع هامشي في الجلسة السابقة، ما يعكس تجاهل الأسواق إعلان اثنتين من كبريات شركات النفط العالمية تعليق مرور ناقلاتها في البحر الأحمر، وكذلك إعلان الولايات المتحدة الأميركية تشكيل تحالف يبدو متواضعاً من حيث عدد الدول المشاركة، لمواجهة هجمات الحوثيين ضد السفن الإسرائيلية وغيرها من الجنسيات الأخرى التي تبحر نحو إسرائيل.
وكسرت أسعار العقود الآجلة لخام برنت مستوى 78 دولاراً للبرميل بصعوبة، أمس، لتصعد بنحو 0.2%، بينما تراجع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي لأقرب شهر استحقاق، إلى نحو 72.3 دولاراً للبرميل، في حين كان الخامان قد ارتفعا أكثر من 1%، يوم الاثنين.
واستبعد بنك الاستثمار الأميركي "غولدمان ساكس"، وجود تأثيرات جوهرية لأزمة الملاحة عبر البحر الأحمر في أسعار الطاقة خلال الفترة القريبة المقبلة. وذكر البنك في مذكرة له، نشرت مساء الاثنين، أن أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي لن تتأثر بشكل جوهري، رغم تكرار هجمات الحوثيين، وتعليق شركات نفط مرور ناقلاتها في البحر الأحمر.
والاثنين، قالت شركة النفط والغاز العملاقة "بريتش بتروليوم" (BP)، إنها أصدرت تعليماتها لإيقاف جميع الشحنات عبر البحر الأحمر، مشيرة إلى أنها ستُبقي هذا التوقف الاحترازي قيد المراجعة المستمرة، رهناً بتطور الظروف في المنطقة. وبعد ساعات من صدور بيان "بي بي"، أصدرت شركة "إكوينور" النرويجية بياناً قالت فيه إنها ستعيد توجيه سفنها. وكذلك، حوّلت شركة "موزايك"، وهي إحدى أكبر الشركات المصنعة للفوسفات والبوتاس في العالم، مسار إحدى سفنها المبحرة من السعودية إلى نيو أورلينز في الولايات المتحدة.
وبعد إعلان "BP"، ارتفع سعر الغاز الطبيعي الرئيسي في أوروبا بنسبة تصل إلى 7.9%، وفق ما أوردته وكالة بلومبيرغ الأميركية، لكنها قلصت الارتفاع في ختام جلسة الاثنين إلى 1.2%. وقال "غولدمان ساكس": "تغيير مسار شحنات النفط ذات العقود الآجلة، قد لا يحدث ارتفاعاً لافتاً.. لكن قد تصعد العقود الفورية بمتوسط 3 دولارات للبرميل".
ودفعت هجمات الحوثيين شركات شحن حاويات عدة، لتعليق رحلاتها عبر البحر الأحمر حتى إشعار آخر. أبرز هذه الشركات تمثلت في ثلاثٍ تصنف بأنها أكبر شركات شحن الحاويات عالمياً، وهي "MSC" السويسرية، و"إيه. بي مولر ـ ميرسك" الدنماركية، و"CMA-CGM" الفرنسية.
وتتصاعد حدة المخاوف عالمياً من احتمالية إعلان شركات أخرى تعليق حركة الملاحة البحرية عبر مضيق باب المندب، ما يعني تذبذباً في سلاسل الإمدادات العالمية بين الشرق والغرب، وبالتالي عودة التضخم مجدداً.
وأعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، الاثنين، تشكيل تحالف دولي لحماية التجارة في البحر الأحمر، يتألف من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وكندا، وإيطاليا، والبحرين، وهولندا، والنرويج، وسيشل، وإسبانيا، بينما كانت واشنطن قد أعلنت في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول الجاري أن التحالف المستهدف يشمل 36 دولة، ما يظهر مواجهة الإدارة الأميركية صعوبة في إقناع معظم الدول التي كانت تتحدث معها بشأن الانخراط في الأمر.
العملية التي تقودها الولايات المتحدة مع الدول التسع الأخرى والتي أُطلق عليها "حارس الازدهار، ستنفذ دوريات مشتركة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، "بهدف ضمان حرية الملاحة لجميع الدول، وتعزيز الأمن والرخاء الإقليميين"، وفق بيان أصدره "البنتاغون".
لكن الحوثيين علقوا على الإعلان الأميركي بأنهم "لن يوقفوا" هجماتهم ضد السفن الإسرائيلية وغيرها من الجنسيات الأخرى المبحرة نحو إسرائيل. وقال المسؤول الحوثي محمد البيتي على منصة "إكس"، "حتى لو نجحت أميركا في حشد العالم كله فإن عملياتنا العسكرية لن تتوقف إلا بتوقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة، والسماح بدخول الغذاء والدواء والوقود لسكانها المحاصرين مهما كلفنا ذلك من تضحيات".
وسببت هجمات الحوثيين المتزايدة حالة من الارتباك الشديد في إسرائيل، والانقسام كذلك في أوساط حكومة الاحتلال، إذ يسود نزاع حول الطريقة التي يجب التعامل بها مع تهديد الحوثيين، وفق تقرير نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، الأسبوع الماضي. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين كبار على حد وصفها أن "إسرائيل يجب أن تهاجم الحوثيين، وهم وكلاء إيران، لأنك إذا لم تفعل ذلك فسوف تظهر الضعف".
لكن في مواجهة هذه الأصوات، قال مسؤول أمني كبير إن "أي إجراء إسرائيلي ضد الحوثيين في الوقت الحالي سيخدمهم مباشرة، ويخدم الإيرانيين الذين يريدون صرف انتباه إسرائيل عن مهمتها الرئيسية في غزة". ويبدو أن حالة الارتباك هذه لم تقتصر على الداخل الإسرائيلي، بل أيضاً على خطوات الولايات المتحدة لأن تكون القوة البحرية المستهدفة في البحر الحمر تضم عدداً كبيراً من الدول.
وفي ظل حالة الارتباك التي تسيطر على المشهد بأكمله، يرسو عدد من سفن الحاويات في البحر الأحمر لمراقبة التطورات، فيما أوقف عدد آخر أنظمة التتبع لديه، وتعدل أخرى مسارات رحلاتها وأسعارها. ويرتبط البحر الأحمر بالبحر المتوسط عن طريق قناة السويس، التي تشكل أقصر طريق ملاحي بين أوروبا وآسيا. ويمر بالشريان الملاحي نحو 12% من حركة الشحن العالمية.
ولا تزال العديد من السفن تبحر في الممر المائي. وأظهرت بيانات من شركة "إل.إس.إي.جي" المتخصصة في تتبع حركة السفن وجود حراس مسلحين على متن عدد من السفن التي تبحر حالياً. وأظهرت البيانات أن أربع سفن حاويات تابعة لشركة (إم.إس.سي) في البحر الأحمر أوقفت تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال لديها منذ يوم الأحد، حتى لا يرصد أحد مكان وجودها على الأرجح.
وقال إيوانيس باباديميتريو، كبير محللي الشحن في فورتيكسا، إن بعض السفن تحاول إخفاء مواقعها عن طريق إرسال إشارات تظهر أنها في مواقع أخرى، كإجراء احترازي عند دخول الساحل اليمني.
وأشار مشتر آسيوي لمادة النفتا البتروكيماوية التي تصدرها أوروبا إلى أن السفن التي تنقلها لا تزال تستخدم طريق البحر الأحمر، مشيراً إلى أن عملية إعادة توجيه السفن عبر رأس الرجاء الصالح ستستغرق ما بين سبعة و14 يوماً إضافية.