تواجه صناعة السجائر والتبغ في تونس أزمة مالية تهدد آلاف العمال بالتسريح، بسبب عجز الشركة الحكومية التي تحتكر السوق، عن سداد مستحقات مورديها، ما ينذر بأزمة تزويد في السوق الذي يصل عدد المدخنين فيه إلى 4 ملايين شخص، وتراجع الإيرادات الضريبية المتأتية من السجائر.
وحذر كاتب عام نقابة وكالة التبغ والوقيد، حسن الطرهوني، من إمكانية عجز الشركة عن مواصلة تصنيع السجائر في الأشهر القريبة القادمة بسبب عدم قدرتها على التزود بالمواد الأولية وتراجع مخزونات التبغ، نتيجة تأخرها في سداد مستحقاتهم وعدم ضخ الحكومة للأموال اللازمة لفائدة الشركة، رغم ما توفره من مداخيل ضريبية مباشرة لفائدة الخزينة العامة.
وأكد الطرهوني في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الحكومة توقفت عن صرف نسبة من أرباح مبيعات منتجات التبغ والسجائر لفائدة الشركة، ما نتج عنه تراجع في الموارد الذاتية للمؤسسة وتخلفها عن سداد فواتير المزودين، بينما 75% من سعر السجائر يذهب مباشرة إلى خزينة الدولة في شكل جباية مباشرة.
ضرائب مباشرة لخزينة الدولة
ويوفر قطاع التبغ سنوياً أكثر من 1.5 مليار دينار (396 مليون دولار) من الضرائب المباشرة لخزينة الدولة من مجموع 14.5 مليار دينار من العائدات الضريبية المباشرة. تعاني المؤسسات الحكومية ومن بينها وكالة التبغ والوقيد صعوبات مالية كبيرة بسبب ضعف الحوكمة. ويطالب صندوق النقد الدولي ضمن خطة الإصلاح الاقتصادي التي يناقشها مع حكومة تونس بإيجاد حلول للإرث الثقيل للمؤسسات المملوكة للدولة وذلك عبر إعادة هيكلتها أو فتح رأس مالها للمساهمات الخاصة.
في المقابل يعارض الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر تجمع نقابي، إحالة المؤسسات الحكومية للقطاع الخاص، مطالبا بإعادة هيكلتها وفق شروط تحفظ حقوق الموظفين. لكن إصلاح وإعادة هيكلة الشركات والمنشآت العمومية من أبرز الوعود التي قدمتها حكومة نجلاء بودن للمانحين الدوليين مقابل مواصلة منح تونس قروضا لتمويل الموازنة.
وتشمل الوثيقة التي قدمتها الحكومة لصندوق النقد الدولي لإصلاح المؤسسات العمومية، كيانات نشطة في القطاعات الاستراتيجية من بينها قطاع إنتاج السجائر. ويرى الخبير الاقتصادي معز الجودي، أن بلوغ وكالة التبغ والوقيد مرحلة العجز عن سداد مستحقات مزوديها يلخص كل مشاهد الإخفاقات وسوء إدارة المؤسسات الحكومية.
وقال الجودي لـ"العربي الجديد" إن قطاع التبغ من أكثر القطاعات ربحية في العالم، غير أنه يواجه صعوبات مالية في تونس، مؤكدا أن صناعة السجائر توفر لخزينة الدولة ما لا يقل عن ملياري دينار سنوياً، بينما تعجز الشركة عن سداد مستحقات المزودين نتيجة عدم الحصول على نسبة من الأرباح.
ورجّح أن تكون الغاية من الدفع بشركة التبغ والوقيد نحو وضع مالي صعب، هو رغبة السلطة في تغيير موازين القوى مع نقابة الشركة ذات النفوذ الواسع تمهيداً لإحالتها للقطاع الخاص. كما لم يستبعد عدم قدرة الحكومة على تمكين الشركة من جزء من أربحاها نتيجة أزمة السيولة التي تواجهها، معتبرا أن مواصلة احتكار الدولة لصناعة السجائر من أبرز علامات التخلف الاقتصادي.
وتحتكر الدولة في تونس صناعة السجائر منذ ما يزيد عن 5 عقود، حيث أنشئت الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد عام 1964. وبالإضافة إلى هذه الوكالة أنشأت الدولة عام 1981 مصنعا لتصنيع التبغ في محافظة القيروان لتلبية الحاجيات المتزايدة من السجائر، إذ إن السوق التونسية تحصل على نسبة 97% من العلامات التونسية.