اندلعت أمس، أول أزمة بين الحكومة والنقابات العمالية وتنظيمات المجتمع المدني، مع سماح رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، لوزير القوى العاملة حسن شحاتة، بالاحتفاظ بمنصبه رئيساً لاتحاد عمال مصر.
سبّب قرار تعيين شحاتة، في منصبه الجديد، صدمة بين التنظيمات العمالية، اعتبرها الخبراء، عودة للتأميم الأمني الشامل للتنظيمات النقابية والعمالية، التي انتهت القرن الماضي، منذ تولي عاصم عبد الحق وزارة القوى العاملة، بطلب من منظمة العمل الدولية، التي اشترطت استقلالية العمل النقابي، عن السلطة التنفيذية.
وصف بيان لدار الخدمات النقابية، وهي من مؤسسات المجتمع المدني المعدودة، التي ما زالت تمارس أعمالها، بعد ملاحقة الجهات الأمنية للتنظيمات النقابية المستقلة، أن جمع وزير القوى العاملة، بين سلطته التنفيذية، ورئاسة اتحاد عمال مصر، يعني مزيداً من القبضة الحديدية، التي تمارسها السلطات، وتحول دون قدرة العمال على الحفاظ على حقوقهم.
حذر برلمانيون من العودة إلى التنظيم العمالي الواحد، في ظل توقيع مصر اتفاقيات دولية، تعهدت خلالها بمنح العمال حرية العمل النقابي، خاصة أن الحكومة تعمل حالياً على تعديل قانون العمل الذي يشرع للمسؤولين وأصحاب الأعمال سلطات واسعة في فصل العمال، ويهدر حقوقهم المكتسبة بقوانين العمل المصرية والدولية.
وصف مدير دار الخدمات النقابية، كمال عباس، إصرار الحكومة على جمع وزير القوى العاملة، مع رئاسة اتحاد عمال مصر، بأنه أمر يثير الشبهات في نيّات الحكومة تجاه التنظيمات العمالية، في وقت تتجه فيه إلى بيع عشرات المشروعات الصناعية الكبرى وفنادق ومؤسسات عامة إلى الأجانب.
أوضح عباس أن الجمع بين وظيفة تنفيذية، يفترض بها أن تكون في خدمة العمال، سيجعل من الوزارة قاضياً وحكماً في الخلافات التي تنشب بين العمال والشركات أو المؤسسات العامة، وبما يخالف الدستور واتفاقات العمل الدولية.
وتابع: قانون المنظمات النقابية العمالية، رقم 213، لسنة 2017، ينص على من يرشح نفسه، لعضوية مجلس إدارة المنظمة النقابية العمالية، ألا يكون من شاغلي الوظائف القيادية بالحكومة.
وكانت دار الخدمات النقابية قد أعدت تقريراً تفصيلياً عن لجوء الجهات الأمنية بالتعاون مع وزارة القوى العاملة، إلى التحكم في خوض مرشحي النقابات العمالية، التي انتهت في شهر يونيو/ حزيران الماضي، بحرمان الشخصيات غير المرحب بها أمنياً الحصول على استمارات الترشح، التي سيطرت وزارة القوى العاملة، على توزيعها، بخلاف القانون.
وأدى التنسيق الأمني مع الوزارة إلى حرمان النقابات العمالية المستقلة العمل، بعد أن حصلت على حق العمل كتنظيم نقابي، بعد ثورة 25 يناير، وأصبح اتحاد العمال هو التنظيم الوحيد المهيمن على النقابات في مصر بقوة القمع الأمني، وتحالفه مع وزارة القوى العاملة.
أدت الانتخابات إلى تصعيد حسن شحاتة رئيسا لاتحاد العمال في يونيو، في وقت كانت أجهزة الأمن تلاحق الراغبين في الترشح من المحسوبين على المعارضين للنظام أو غير المرضي عنهم من رؤساء الهيئات والشركات العامة والخاصة.
ويعارض شحاتة وجود التنظيمات النقابية المستقلة، رغم تقديم الحكومة تعهدات لمنظمة العمل الدولية باحترام وجود تلك المؤسسات، بعد أن هددت بإبعاد مصر من عضوية المنظمة، ووقف المساعدات التي تحصل عليها الحكومة، من المؤسسات الدولية.
وأرسل وزير القوى العاملة، عقب توليه منصبه، بياناً للجهاز المركزي للإحصاء الاثنين الماضي، أكد استقرار معدل البطالة عند 7.2% من أجمالي قوة العمل، خلال الفترة من إبريل/ نيسان إلى يونيو الماضي، عند ذات المعدل للربع السابق من العام الحالي.
جاءت التقديرات متعارضة، مع ما أظهره مؤشر مديري المشتريات الأسبوع الماضي، من تراجع معدلات التوظيف، ولجوء الشركات إلى تخفيض عدد العمال، مع استمرار حالة الركود التي تشهدها الشركات منذ 8 أشهر، في 4 مجالات رئيسية بالدولة، على رأسها قطاعات التصنيع والإنشاءات والجملة والتجزئة والخدمات.
أوضح عضو في مجلس النواب، فضل عدم ذكر اسمه، أن مجلس الشيوخ يتولى إعداد تعديلات واسعة في قانون العمل، بما يسمح بالتوسع في إجراءات فصل العمال، من وظائفهم، بقرارات من السلطات الإدارية، مع منح أصحاب المشروعات سلطة التعديل للرواتب والوظائف.
وأكد أن الحكومة تعهدت لصندوق النقد الدولي، بتعديل نصوص قانونية عديدة، يراها الصندوق وراء زيادة تكلفة العمالة في مصر، وتخفيض أيام العطلات، وتقليص الحقوق النقابية التي يتمتعون بها.
وأكد النائب أن صندوق النقد الدولي، يعتبر القوانين الحالية، تضع قيوداً على إدارة الشركات الأجنبية للعمالة، المتعلقة بعقود التشغيل والرواتب والدرجات الوظيفية.
جاءت التقديرات متعارضة، مع ما أظهره مؤشر مديري المشتريات الأسبوع الماضي، من تراجع معدلات التوظيف، ولجوء الشركات إلى تخفيض عدد العمال، مع استمرار حالة الركود التي تشهدها الشركات
وأبدى دهشته من رغبة الحكومة في تلبية ما ذكره الصندوق من ملاحظات، في تقريره الأخير، عن العمالة، في وقت حرمت فيه الحكومة قيام تنظيمات عمالية مستقلة، ووضعت قيوداً غليظة على حق الإضراب السلمي في أماكن العمل، باعتباره وسيلة من وسائل الضغط التي تمكن العمال من الحفاظ على حقوقهم، مقابل منح أصحاب الأعمال فصل العامل في حالة ارتكابه أية مخالفات أو الإفلاس.
وتشير تقارير عمالية إلى تنفيذ الحكومة لسياسات صندوق النقد منذ عام 2016، التي تحظر التعيين في الوظائف الحكومية، والتي كانت وراء عدم تعيين 60 ألف مدرس تحتاجهم المدارس منذ أعوام.
ولفتت التقارير إلى إنشاء الحكومة 14 شركة حكومية لتوريد العمالة بنظام "اليومية" وعقود عمل مؤقتة، لتكون بعيدة عن رقابة صندوق النقد، بينما تمنح المسؤولين حق طرد العمال من وظائفهم، في أي وقت دون التزام دفع أية مستحقات مالية.
وسمحت الحكومة بتأسيس 597 شركة خاصة لتوريد العمالة، للشركات التي تتولى تنفيذ المشروعات القومية الكبرى، ومنها شركات عامة، لتشغيل الموظفين باليومية، أو عقود شهرية مؤقتة، وتشمل جميع التخصصات، بداية من الأطباء والمهندسين، إلى العمالة غير الفنية.