أزمة سيارات مصر.. حملة ضد الغلاء والاحتكار لكبح جنون الأسعار

16 أكتوبر 2022
مصنع تجميع سيارات بي إم دبليو في مدينة السادس من أكتوبر غرب القاهرة (Getty)
+ الخط -

دشن مواطنون حملة "ضد الغلاء والاحتكار" لحث المصريين على مقاطعة شراء السيارات، بعد مغالاة الوكلاء والموزعين، في رفع الأسعار بمعدلات غير مسبوقة.
عكست الحملة حجم الاضطرابات التي تشهدها سوق السيارات بمختلف أنواعها، الحديثة والمستعملة، بالإضافة إلى النقص الحاد في قطع الغيار، اللازمة للتشغيل اليومي والصيانة الدورية، والتي تهدد السيارات بالتوقف.
وتعاني السوق من ندرة المعروض، وركود حاد في البيع، وموجات متتالية لرفع الأسعار، وتراجع المؤسسات المالية عن تمويل شراء المركبات بنظام التقسيط، ما أغضب الكثيرين من الراغبين في اقتناء سيارة.
وأدت تلك الاضطرابات التي اجتمعت في سوق لسلعة واحدة، إلى تراجع مبيعات السيارات بمختلف فئاتها، بنسبة 45.6% لتصل إلى 12 ألفاً و768 وحدة خلال يوليو/تموز الماضي، مقابل 23 ألفاً و470 سيارة في نفس الشهر من العام الماضي، وفق إحصاءات مجلس معلومات سوق السيارات "أميك" الذي يرصد حجم مبيعات السوق في مصر.
وكشف "أميك" عن تهاوي مبيعات سيارات الركوب (الخاصة) بنسبة 50% على أساس سنوي في يوليو/تموز، لتبلغ 8800 سيارة مقابل 17800 سيارة في الفترة نفسها من 2021، كما تراجعت مبيعات حافلات نقل الركاب بنسبة 29.7% إلى 1319 مركبة مقابل من 1876 مركبة، وانخفضت مبيعات الشاحنات 41.4% لتبلغ 2556 شاحنة مقابل 3725 شاحنة.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

في هذا السياق، قال مدير حملة "ضد الغلاء والاحتكار" شريف ياسر في رسالة لـ"العربي الجديد" إنّ دعوته تستهدف أن يكون للمواطن صوت مسموع، لمواجهة الغلاء الفاحش في أسعار السيارات، بعدما فرض الوكلاء تعديلات كبيرة في قيمتها، لا تتناسب مع حجم الزيادة التي تشهدها الصناعة على المستوى الدولي، ولجوء كثير من الموزعين إلى فرض "أوفر برايس" عن سعر الوكيل، مغالى به، وفقاً لمدى إقبال المستهلكين على الشراء، وندرة السيارة بالسوق المحلي.
وأكد ياسر أن خبرته في العمل مستورداً ومخلّصاً جمركياً و"يوتيوبر" متخصصاً في السيارات، تبين أنّ كثيراً من البائعين تحولوا إلى محتكرين لسوق السيارات، بينما لم تستطع الحكومة أن تردعهم، بما يتطلب توعية الرأي العام، لعمل تلك المقاطعة، وإجبارهم على خفض الأسعار.
على سبيل المثال، رفعت "سكودا" أسعار كافة فئات سياراتها إنتاج 2022، بقيمة تتراوح بين 200 ألف جنيه إلى 490 ألف جنيه دفعة واحدة (بين 10.25 آلاف دولار و25.1 ألف دولار) الشهر الحالي.
وانعكست الزيادات الحادة في أسعار السيارات الجديدة على المركبات المستعملة وقطع غيارها كذلك، والتي وصلت نسبة زيادتها إلى 40%، وفق جولة لـ"العربي الجديد" في العديد من أسواق السيارات في القاهرة.
في الأثناء تراجعت البنوك عن تمويل شراء السيارات "الزيرو" والمستعمل، بنسبة 90%، كما يشير خبراء تأمين، فأصبح السوق شبه متوقف، وسط إحجام المواطنين عن شراء المركبات الحديثة وصعوبة الحصول على سيارة جيدة من سوق المستعمل.

وفي مقابل حالة السخط التي تسيطر على الراغبين في تملك سيارة بسعر مناسب، يرجع وكلاء تجاريون زيادة الأسعار، إلى موجة الغلاء التي بدأت منذ عامين، في أنحاء العالم، مع حالات الإغلاق بسبب انتشار وباء كورونا ونقص الرقائق الإلكترونية التي تدخل في إنتاج السيارات الحديثة بشكل رئيسي، ثم الحرب الروسية في أوكرانيا، التي دفعت إلى أزمة حادة في الطاقة وتوقف الكثير من المصانع، وتعطل شبكات سلاسل الإمداد ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الشحن، وانخفاض المعروض من السيارات.
كما يعزي موزعون الأزمة إلى عدم توافر الدولار في مصر، مشيرين إلى أنّ 90% من السيارات ومستلزمات تشغليها، تأتي من الخارج، وأنّ الإجراءات التي أصدرها البنك المركزي، بعدم الاستيراد، من دون اعتمادات مستندية، حالت دون دخول سيارات جديدة للبلاد، منذ مارس/آذار الماضي.
وقال أحمد السويدي عضو اتحاد الغرف الصناعية، في تصريحات صحافية أخيراً إنّه في ظلّ عدم وجود الدولار سيظل من الصعب استيراد مكونات الإنتاج، مشيراً إلى أنّ القواعد الجديدة التي أطلقها البنك المركزي، الأسبوع الماضي، بهدف
التخفيف من قيود استخدام العملة الأجنبية في الاستيراد لن تحلّ أزمة الاستيراد وتكدس البضائع في الموانئ، لأنّ الأمر كله يتعلق بمدى توافر الدولار لدى الدولة.
وتظهر بيانات جهاز التعبئة العامة والاحصاء الحكومي، تراجع قيمة واردات مكونات إنتاج السيارات بنسبة 20% خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، لتصل إلى حوالي 293.2 مليون دولار، مقارنة بنحو 366.9 مليوناً في نفس الفترة من العام الماضي.
وبينما تعتبر الحكومة وقف الاستيراد فرصة جيدة أمام المصانع المحلية للتوسع في إنتاج السيارات، أعلنت وزارة المالية، الأسبوع الماضي، وقف برنامج استبدال السيارات المستعملة، بأخرى حديثة مع شركتين محليتين امتنعتا عن توريد السيارات المطلوبة ضمن البرنامج المدعوم مالياً من الدولة، بعد تعطل خطوط الإنتاج فيهما، لعدم قدرتهما على استيراد مكونات الإنتاج، بينما تؤكد مصادر في اتحاد العرف الصناعية أنّ باقي المصانع في طريقها إلى التوقف تماماً.
وأظهرت دراسة حديثة للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، وجود ارتفاع غير مسبوق في أسعار مدخلات الإنتاج، انعكست في صورة ارتفاعات كبيرة في أسعار المنتجات النهائية على مستوى كافة أحجام الشركات، مدفوعة بارتفاع أسعار المواد الخام عالمياً، خلال الربع الثاني من 2022، بالإضافة إلى زيادة رسوم الشحن والنقل والوقود واضطراب سلاسل التوريد.

قال أحمد السويدي عضو اتحاد الغرف الصناعية، في تصريحات صحافية أخيراً إنّه في ظلّ عدم وجود الدولار سيظل من الصعب استيراد مكونات الإنتاج


يأمل موزعون أن تساهم تعليمات البنك المركزي الصادرة، الأسبوع الماضي، والرامية إلى تخفيف قيود الاستيراد، في تمكين المستوردين من شراء قطع الغيار، ودخول بعض السيارات الموجودة في الجمارك.
وفي مقابل الزيادات الحادة في الأسعار، تطلب وزارة المالية من المستوردين، أن يضعوا هامش ربح معقول، على كافة السلع المفرج عنها، ومنها السيارات، بينما يرى شريف ياسر مدير حملة" ضد الغلاء والاحتكار" أن هذه المطالب غير عملية، مؤكداً أنّ الحلّ الأمثل بدعم الصناعات المحلية، والسماح باستيراد مكونات الإنتاج، لتوفر سيارات شعبية للمواطنين.
ويشير موزعون إلى إمكانية استفادة المصريين في الخارج ومن لديهم قدرة على تمويل شراء سيارات حديثة من حسابات أجنبية خارج البلاد، من القرار الوزاري، باستيراد سيارة حديثة الصنع لحسابهم الشخصي، بما يساهم في تخفيف الضغط على الدولار محلياً، وإطفاء نار الأسعار المتصاعدة في السوق.

ورغم تحول قضية عدم توافر قطع غيار السيارات إلى سؤال برلماني لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي وجّهته عضوة مجلس النواب آمال عبد الحميد، فإنّ الأزمة ما زالت مرجحة للتصاعد، مع استمرار الأسباب المؤدية لها منذ نحو سبعة أشهر، وفق مسؤولين في قطاع السيارات.
وأكدت شعبة السيارات في الغرفة التجارية بالقاهرة في بيان لها، أنّ مصر تستورد قطع غيار تتراوح قيمتها ما بين 500 مليون دولار و650 مليوناً سنوياً، إذ تعتمد على 98%، من قطع الغيار المستوردة.

ولا تتضمن هذه المبالغ قطع الغيار المستعملة، التي تأتي من أوروبا والولايات المتحدة، عبر تجارة الخردة، التي أصبحت الملاذ الأعظم لملّاك السيارات الحديثة والمستعملة، بما أدى إلى زيادة أسعارها بنحو 40%، خلال الشهرين الماضيين.
وشهدت الأسواق خلال الفترة الأخيرة اختفاء إطارات السيارات والفرامل (المكابح) وفلاتر تنقية الزيوت والحساسات والسيور وأجزاء المحركات لأغلب الماركات من الأسواق، ما يهدد بتوقف نحو 5 ملايين سيارة.

المساهمون