أزمة سكن في ألمانيا... مطورون يجعلون عقارات مكتبية شققاً

06 يونيو 2024
مبانٍ سكنية في حي برينزلاوربيرغ في برلين، 20 مارس 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- ألمانيا تواجه تحدياً في قطاع الإسكان بسبب عجز الوحدات السكنية وفشل الحكومة في تحقيق هدفها بتوفير 400 ألف وحدة سنوياً، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الإيجارات وضغط على المستأجرين.
- النقص في الوحدات السكنية يزيد من عدد المستأجرين عن المالكين، مع انخفاض في عدد الشقق المكتملة، مما يعكس استمرار الأزمة والحاجة الماسة لزيادة العرض في سوق الإسكان.
- مبادرات تحويل المباني المكتبية إلى سكنية تبرز كحل محتمل لكنها تواجه تحديات، بما في ذلك الحاجة لاستثمارات كبيرة والحصول على التراخيص، مع توقعات بانخفاض مستمر في بناء الوحدات السكنية.

يتفاقم عجز الوحدات السكنية في ألمانيا، وسط تعثّر عمليات البناء، بفعل معاناة قطاع التطوير العقاري من ارتفاع التكاليف الناجمة عن صعود أسعار الفائدة وصعود أسعار مواد البناء وأجور العاملين، ما تسبب في إخفاق الحكومة في الوفاء بتعهدات بتوفير 400 ألف وحدة سكنية سنوياً، بما في ذلك 100 ألف وحدة سكنية اجتماعية، لتجاوز العجز الذي بات سبباً في توجيه انتقادات حادة لها، لا سيما أنه انعكس على أسعار الإيجارات في البلاد.

ودفع العجز في العقارات السكنية، مطورين إلى تحويل عقارات إدارية ومكتبية إلى شقق سكنية، على الرغم من وجود صعوبات في الحصول على التراخيص اللازمة لتغيير وجهة الاستخدام. وتظهر الأرقام الرسمية مدى صعوبة الوضع في سوق العقارات في أكبر اقتصاد في أوروبا، حيث يشهد السوق عجزاً يتجاوز 800 ألف وحدة سكنية.

ونظراً إلى أن المعروض من المساحات السكنية في ألمانيا صغير والطلب كبير جداً، فإن أسعار الإيجار ترتفع بشكل ملحوظ. ويعيش أكثر من 9.5 ملايين شخص في مساحات سكنية ضيقة، حسب مكتب الإحصاء الاتحادي. وألمانيا هي بلد المستأجرين الأول في أوروبا وبفارق كبير عن البقية، إذ يعيش أكثر من نصف السكان في منازل لا يملكونها. وأيضاً، ألمانيا هي البلد الأوروبي الوحيد، الذي يزيد فيه عدد المستأجرين عن المالكين.

ووفق بيانات صادرة عن مكتب الإحصاء الاتحادي في مايو/أيار الماضي، فإن عدد الشقق التي تم الانتهاء منها انخفض بنسبة 0.3% مقارنة بالعام الماضي، حيث وصل عدد المنازل التي بُنيت في الإجمالي إلى 294.4 ألف وحدة، إلا أن ذلك لا يزال بعيداً عن هدف الحكومة. ورغم ذلك، وصفت وزيرة الإسكان كلارا جيفيتس، وضع قطاع التشييد بأنه "مستقر"، وأوضحت أنه إضافة إلى عدد الوحدات مكتملة البناء، هناك حاليا 390.9 ألف شقة أخرى قيد الإنشاء.

لكن الخبير في قطاع العقارات روبن هاكوبيين، قال لـ"العربي الجديد"، إنه إذا لم تتحسن الظروف المحيطة بقطاع البناء، فإن أزمة سوق السكن ستستمر سنوات، مشيراً إلى أن الكثير من المطورين العقاريين عمدوا إلى تعليق العديد من المشاريع والتوقف عن التخطيط لمشاريع جديدة، رغم حديث البعض عن بوادر إيجابية، مع تراجع نسبة التضخم وتوجه البنك المركزي الأوروبي إلى خفض أسعار الفائدة.

وتوقّع معهد إيفو للأبحاث الاقتصادية في مايو الماضي، استمرار انخفاض بناء الوحدات السكنية ليصل إلى حدود 200 ألف شقة في العام المقبل 2025. وقال الخبير في قطاع البناء روبرت فايغر، في حديث مع إذاعة "دويتشلاند فونك"، إن ألمانيا في وضع استثنائي جداً في مجال البناء الإسكاني، مع ما يعانيه قطاع البناء والمقاولات وعدم استطاعة الحكومة تحقيق أهدافها فيما يخص الإسكان الاجتماعي.

وأضاف أن هناك "مزيجاً ساماً" من العوامل المؤثرة على تراجع البناء من تكاليف مرتفعة ومضاعفة فوائد القروض، والشيء الوحيد المؤكد أنه لن يُبنَى سوى عدد قليل للغاية من الوحدات السكنية، والحكومة ستكون بعيدة عن خططها المتمثلة في بناء 400 ألف وحدة سكنية.

وأفاد المكتب الفيدرالي للإحصاء أخيراً، بأن عدد تراخيص الشقق في ألمانيا انخفض بنسبة 27.2% خلال عام 2023 مقارنة بالعام السابق، حيث أصدِرت موافقات بناء لنحو 135 ألفا و200 شقة فقط، بتراجع قدره 50 ألفا و600 رخصة عن 2022.

وبخصوص توفير الأموال لتأمين السكن الاجتماعي، دعا تحالف جمعيات بناء المساكن الحكومة الفيدرالية، إلى إنفاق 50 مليار يورو (54.5 مليار دولار) إضافية للإسكان الاجتماعي. وبحسب رئيس التحالف، فإن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها توفير 400 ألف شقة سنويا. وأشارت دراسة أجراها معهد بيستل للأبحاث أن آخر مرة كان هناك مثل هذه الحاجة لمساحات المعيشة كان قبل 20 عاما، مشيراً إلى أن هذا يعود إلى الهجرة القياسية للاجئين من أوكرانيا وأجزاء من أوروبا وباقي دول العالم، فضلا عن عوامل أخرى. وأفاد المعهد بأن الفجوة الهائلة في أزمة السكن الاجتماعي تتسع أكثر فأكثر.

وبعدما باتت أهداف الحكومة لتوفير الشقق السكنية المطلوبة بعيدة المنال، أبرزت تقارير استقصائية أنه للحد من الأزمة يتم اللجوء إلى بدائل، وذلك بتحويل المباني المكتبية، التي انخفض الطلب عليها، وأصبحت العديد منها فارغة منذ جائحة كورونا مع انتشار العمل من المنزل على نطاق واسع، إلى مبانٍ سكنية. وتفيد أرقام صادرة عن معهد أبحاث الإسكان والبناء "إيه أر جي أي"، بأنه يمكن الاستفادة من 200 ألف وحدة من المكاتب في جميع أنحاء ألمانيا. ووفق المعهد يمكن تحويل العقارات المكتبية إلى مساحات جديدة للعيش بثلث تكاليف بناء مبنى جديد.

وفي هذا السياق، قال رئيس قسم الأبحاث في شركة الاستشارات العقارية "جي إل إل"، هيلغ شوينمان، لفضائية "إن تي في" الإخبارية، إن هناك إمكانات كبيرة في سوق الإسكان بتحويل طبيعة العقار من إداري إلى سكني، ومن الناحية النظرية فإن الأمر مثالي لأنه يقلل من تكاليف البناء وسيقتصر الأمر بإدخال تعديلات على المبنى. ولفت إلى أن ما يجري في هذا الأمر يبقى حتى الآن حالات فردية ولأصحاب الأملاك الخاصة، لا سيما مع تقارب أسعار إيجارات المكاتب والشقق حالياً.

ويشكل النقص في الشقق السكنية ضغطاً على أسعار الإيجارات. ووفقا لدراسة أجرتها جمعية المستأجرين الألمانية أخيراً، فإن تكاليف السكن تثقل كاهل أكثر من سبعة ملايين أسرة. وفي هذا السياق، قال الخبير العقاري راينر ديفرس لـ"العربي الجديد"، إن ذلك يرجع إلى الارتفاع السريع في التكاليف الإضافية على الإيجارات، والتي تشمل التأمينات والرسوم وأعمال الصيانة، فضلاً عن الفروقات في أسعار وقود التدفئة وغيرها.

ومن هذا المنطلق، قالت شبكة "إيه أر دي" الإخبارية في تقرير لها أخيرا إن هناك أكثر من ثلاثة ملايين أسرة تنفق أكثر من 40% من صافي دخلها على الإيجارات وتكاليف التدفئة، وشكلت هذه التكاليف بين 30% و40% من دخل 4.3 ملايين أسرة. ووفق جمعية المستأجرين الألمانية، فإن هناك 21 مليون أسرة تعيش في شقق بالإيجار في ألمانيا.

المساهمون