العراق بلا موازنة مالية حتى اليوم، فيما تواجه حكومة تصريف الأعمال القائمة معضلة قانونية في صرف رواتب الموظفين للعام المقبل. القلق يتزايد بين المواطنين، والتعقيدات تتعمق داخل تشعبات السلطة الحاكمة، ما ينذر بتصاعد الخلافات ما بين القوى السياسية.
ويحذر المستشار القانوني جمال الأسدي، من أن صرف رواتب الموظفين لا يمتلك أي غطاء تشريعي، حيث لا يمكن للحكومة صرف النفقات العامة خلال عام 2023. ويشرح الأسدي لـ"العربي الجديد"، أنه لا يوجد أي نص قانوني في قانون الإدارة المالية يسمح بصرف أي مبالغ مالية من وحدات الإنفاق لتمويل نفقات الموازنة بعد انتهاء السنة المالية التي ليست فيها موازنة أصلاً، فضلاً عن وجود فراغ تشريعي يمكن فيه أن تتوقف كل النفقات ومن ضمنها رواتب الموظفين من شهر يناير/ كانون الثاني 2023 .
ويضيف الأسدي أن الحياة العامة ستتعطل مع نهاية العام الحالي، ما لم يتم الإسراع في تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات الدستورية والقانونية. إلا أن مجلس النواب العراقي كان له رأي آخر، في استحالة توقف رواتب الموظفين في العام المقبل حتى في حال عدم التصويت على الموازنة، حيث يلفت عدد من النواب إلى أن هناك الكثير من الخيارات بالإمكان اللجوء إليها لتسيير أمور البلد وصرف الرواتب.
خيارات أخرى
وتشرح عضوة المجلس، ريزان الشيخ دلير، أن هناك إمكانية للذهاب باتجاه الخيارات المالية الأخرى كتشريع قانون شبيه بالأمن الغذائي من أجل صرف الأموال وعدم إيقاف عجلة البلد.
وتبين الشيخ دلير، لـ"العربي الجديد"، أن إقرار القوانين المتعلقة بالأمور المالية والاقتصادية بحاجة إلى حكومة ذات صلاحيات كاملة، بالإضافة إلى عودة مجلس النواب من جديد واستئناف جلساته بشكل دوري من أجل التصويت على أي قانون مالي من أجل تسيير الأمور في حال عدم التصويت على الموازنة. وتوضح أن القراءتين الأولى والثانية أو التصويت وتشريع أي قانون في مجلس النواب من دون حكومة ذات صلاحية كاملة لا يعدان نافذين ولا يتم العمل بهما، ومن حق المحكمة الاتحادية الطعن في قانونية ودستورية هذه القوانين.
لكن الباحث الاقتصادي، علي عواد، يرى أن هناك العديد من القوانين المتعلقة بالجوانب المالية والاقتصادية ما زالت في رفوف مجلس النواب العراقي، ولم تُشرع لغاية اليوم لأسباب عديدة في مقدمتها الصراع السياسي الدائر وعدم حسم اختيار رئيس الجمهورية ورئاسة الحكومة.
ويؤكد عواد لـ "العربي الجديد"، أن الكتل والتيارات السياسية في مجلس النواب تتحمل مسؤولية كل هذه الإخفاقات، وتعطيل القوانين وتأخير تشريعها يحتاجان إلى جهود سياسية تعمل لمصلحة الدولة والشعب. ويبين أن من أهم القوانين المُعطلة والتي تأخر تشريعها قانون الموازنة العراقي، وقانون الاستثمار الصناعي والمعدني والتجاري، فضلاً عن قانون الشراكة بين القطاعات العامة والخاصة، والعديد من القوانين الأخرى.
ويحذر عواد من عدم قدرة الحكومة العراقية على سداد الرواتب مطلع العام المقبل، لأن السنة المالية لهذا العام ستنتهي، واعتماد قاعدة 1/12 (الإنفاق بحسب حجم اعتمادات الموازنة السابقة شهرياً) لا يكون نافذاً دستورياً وقانونياً مع انتهاء السنة المالية، مما ينذر بمشاكل مالية داخلية تتعلق بالرواتب والتخصيصات.
قوانين معلّقة
عملياً، تتزايد الانتقادات حول وجود عدد من القوانين الاقتصادية والمالية المُعطلة التي تحتاج إلى إقرار وتشريع من قبل مجلس النواب العراقي، وهذا الأمر يحتاج الى استئناف جلساته من أجل اختيار رئيس الجمهورية والإسراع في عملية تشكيل الحكومة، التي تأخرت على الرغم من مرور أكثر من عام على الانتخابات البرلمانية، وتجاوز جميع الفترات الدستورية والقانونية لاختيار رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، وإن عدم تشريع القوانين فضلاً عن عدم حسم اختيار الرئاسات كلف الدولة العراقية أموالاً طائلة.
ومن أبرز تلك القوانين، الموازنة المالية للعام الحالي 2022، وقانون الاستثمار الصناعي والمعدني والتجاري، وقانون تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب قوانين أخرى عديدة من بينها ما يتعلق بتنظيم الاستيراد وخصخصة الشركات الحكومية غير الرابحة.
ويقول الخبير القانوني أحمد الشمري، إن مجلس النواب العراقي بدورته الخامسة كلف ميزانية الدولة أكثر من 150 مليار دينار عراقي حتى الآن، وإن أداءه ضعيف جداً ولا يرتقي إلى مستوى المسؤولية.
ويبينّ الشمري من خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن مجلس النواب لم يشرع سوى قانونين اثنين طوال فترته التشريعية، وهذا يعزز ضعف السلطة التشريعية في معالجة الأزمات التي تعيشها البلاد، فضلاً عن غياب دوره الرقابي وعدم قدرته على محاسبة ومراقبة الفاسدين.
ويشير إلى أن مجلس النواب في دورته الحالية يكلف الدولة مبالغ مالية طائلة تستنزف الخزينة العامة، مقابل أداء خجول لا يرتقي لمستوى الطموح، وأنه ساهم بشكل كبير في تفاقم الأزمة وعطل الكثير من مشاريع القوانين.