اتسعت أزمة توفير الخبز في السودان إلى درجة فقدان الرغيف من الأسواق، وذلك قبل أن تنحسر المشكلة في مناطق متفرقة من ولاية الخرطوم نتيجة للتوقف الجزئي للحرب المستمرة بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع"، الا أن عصام عكاشة المتحدث باسم تجمع أصحاب المخابز في ولاية الخرطوم رسم صورة قاتمة لمستقبل صناعة الخبز في البلاد إثر استمرار الاشتباكات بين الطرفين المتنازعين.
ولفت عكاشة في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن مدخلات الإنتاج غير متاحة وغير متوافرة أصلا في الأسواق، إضافة إلى عدم توافر العمالة الكافية لتشغيل المخابز بعدما هجرت الخرطوم. وقال إن هنالك ندرة في كل المدخلات رغم أن الدقيق في الوقت الحالي متوافر بنسبة ضئيلة في بعض المخابز ولكنه غير فعال في حال انعدمت المدخلات الأخرى مع ظهور عامل أساسي جديد وهو انعدام المياه مع تفاقم مشكلة الهجرة العكسية إلى الولايات.
وأشار إلى أن عودة العمل في المخابز كما في السابق أمر غير وارد "حتى قبل قيام الحرب قدمنا طلبات لزيادة أسعار الخبز نتيجة لارتفاع تكلفة الإنتاج من دون توافر الخدمات. ولذلك من المتوقع مستقبلا زيادة أسعار الخبز أو توقف المخابز عن العمل". وتوقع عكاشة، خروج كافة المخابز في العاصمة من الخدمة خلال الفترة القادمة إذا استمرت الحرب أسبوعا آخر.
ورأى مسؤولون أن عودة عمل المخابز مشروطة بتوقف الحرب واستبعدوا ثبات تكلفة الخبز على ما كانت عليه سابقاً نتيجة للمتغيرات التي حدثت أثناء المعارك التي ستخلف آثار ودماراً في البنية التحتية، وتوقع هؤلاء ارتفاع كلفة إنتاج الدقيق وتوزيعه إلى مستويات قياسية من المرجح أن تؤثر سلبا على الصناعة عموما.
وفيما عاد عدد من مخابز ولاية الخرطوم إلى الخدمة، استمر توقف عمل مخابز أخرى في ظل انقطاع الكهرباء وارتفاع تكلفة الوقود والدقيق ومدخلات الإنتاج. ورأى عبد الشكور صديق، صاحب مخبز، في حديثه مع "العربي الجديد" أن المخابز عادت بحذر للعمل في الفترة الصباحية فقط بوردية واحدة مع الحصول على الوقود من السوق السوداء وذلك لمسايرة الواقع الحالي رغم انقطاع المياه التي ارتفع سعرها إلى 3 آلاف جنيه للبرميل.
وأكد توافر الدقيق في المخابز حالياً، لكنه أضاف أنه إذا لم تتوقف الحرب وتفتح الطرقات فـ"سنتوقف عن العمل نهائياً"، وأضاف أنه لا توجد زيادة في سعر الخبز في الوقت الراهن. "ولكننا خفضنا الأوزان لتغطية زيادة التكلفة، وسنعمل وفق المتاح لنا مع عدم تعريض العمال الحاليين لمخاطر الحرب وهذا بالطبع يزيد من تكلفة العمالة".
أما محجوب عبد الله، صاحب سلسلة مخابز في أم درمان، فشكا من ارتفاع أسعار مدخلات إنتاج صناعة الخبز في الأسواق. وقال لـ" العربي الجديد": "لقد ارتفعت الأكلاف بصورة كبيرة خاصة الخميرة والزيوت مع زيادة أسعار الدقيق والغازولين مع أن أغلب العمالة هجرت الخرطوم والآن نعمل بالتجزئة، ونترقب رزقنا اليومي من دون التفكير بالغد، ويتم الاتفاق مع العمال للحصول على أجرة يومية وبأسعار عالية جدا نتيجة للمخاطر التي يمكن أن تحدث خاصة بعد تعرض كثير من المخابز إلى التخريب والنهب والحريق الذي جعل كثيرين يغلقون مخابزهم ويغادرون الخرطوم".
وعاودت طوابير المواطنين إلى التجمع أمام المخابز، رغم أن أغلبها بدأ في تخفيض الأوزان، ورغم ذلك لا تزال أفضل للمواطن من البدائل الأخرى، منها خبز الذرة الذي ارتفعت أسعاره بصورة كبيرة. وقال المواطن عبد المجيد يوسف "رغم عناء الحصول على رغيف الخبز وارتفاع تكلفته الا أنه أصبح ملاذا للجميع مقارنة مع تكلفة السلع الأخرى".
وأكد مواطنون في مناطق تدور فيها المعارك بين الطرفين أنهم يواجهون صعوبة في توفير الخبز الذي يعرض في نقاط متباعدة في "سوق سوداء " تقف أمامها طوابير طويلة من الناس، حيث وصل سعر رغيف الخبز الواحد إلى 100 جنيه. وظلت صناعة الخبز تواجه أزمات متفرقة بسبب شح في الغاز وكذا نتيجة لارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج، إلا أن الحرب المستمرة كشفت عن ضعف كبير في الصناعة ما ينذر بدخولها نفق جديد من المشكلات التي تهدد الكثير من العاملين في القطاع من جهة، وتزيد من الأزمات المعيشية على المواطن من خلال زيادة الأسعار ما يعتبر معضلة جديدة مع موجة الغلاء والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.
وسبق أن واجهت الخرطوم أزمة في الخبز بعد اقتراب نفاد مخزون الدقيق بالمطاحن، بسبب استمرار إغلاق الطريق القومي بين الخرطوم وميناء بورتسودان ما أدى إلى زيادة سعر قطعة الخبز إلى 50 جنيهاً، وسط ندرة الدقيق وارتفاع أسعاره المفاجئ.
وأكدت مصادر "العربي الجديد" أن معظم شركات ومطاحن الغلال الكبرى متوقفة عن العمل تماماً مما أدى لاستخدامها دقيقاً منخفض الجودة، وفي حين أنها وعدت بتخفيض سعر الخبز في حال انفراج الأزمة إلا أن أسعار الرغيف استمرت بنفس التسعيرة المرتفعة. ولفتت المصادر إلى توقعات بأن يصل سعر رغيف الخبز الواحد إلى 100 جنيه بما يوازي السعر في السوق السوداء.