على الرغم من الانفراجة المتوقعة في مسألة ترانزيت الشحن المتجهة إلى روسيا والعالقة في تركيا بسبب العقوبات الغربية، إلا أن الواقعة أثارت قلق شركات النقل والخدمات اللوجستية الروسية من تكرار مثل هذه الحوادث، ومدى إمكانية الاعتماد على تركيا كبلد لترانزيت السلع الغربية إلى روسيا في إطار آلية الاستيراد الموازي.
ويقلل المدير العام لشركة "أفضل اللوجستيات" الروسية، غيورغي فلاستوبولو، من واقعية عودة حركة ترانزيت السلع إلى روسيا عبر تركيا إلى طبيعتها حتى في حال احتواء الأزمة الراهنة، معتبراً أن شركات الخدمات اللوجستية الروسية يتعين عليها البحث عن سلاسل إمداد بديلة.
ويقول فلاستوبولو في حديث لـ"العربي الجديد": "السيناريو الأول هو أن تعود الأمور إلى طبيعتها، ولكن هو ضئيل، ولا يؤمن به اللاعبون الرئيسيون في السوق. والثاني والأكثر واقعية هو أن يقتصر الحظر على المنتجات ذات الاستخدام المزدوج، أي تلك التي قد تستخدم في مجمع التصنيع العسكري. والثالث، وهو واقعي أيضاً، أن يشمل الحظر كل فئات المنتجات الخاضعة للعقوبات، بما فيها السلع الفاخرة".
وحول رؤيته لتعامل شركات النقل مع السيناريو الثالث في حال تحققه، يقول: "ستضطر شركات اللوجستيات إلى البحث عن المنتجات المطلوبة في دول أخرى، وستضطر إلى التفكير في مدّ سلاسل إمداد جديدة. وفي هذه الحالة، لن تعود تركيا مطلوبة كدولة ترانزيت".
من جهته، يتوقع رئيس النادي الأوراسي للتحليل في موسكو، نيكيتا ميندكوفيتش، حدوث انفراجة في مسألة ترانزيت السلع الخاضعة للعقوبات إلى روسيا عبر تركيا، في ظل عدم اتخاذ أنقرة قراراً سياسياً بالانضمام إلى العقوبات الغربية بحق موسكو.
ويقول ميندكوفيتش في حديث لـ"العربي الجديد": "لا يجري الحديث عن قرار سياسي اتخذته أنقرة، بل عن خلل في برنامج يعتمد القوائم الأوروبية للسلع المحظورة، ولا تتخذ تركيا إجراءات من شأنها عرقلة وصول الشحن إلى روسيا، وتسمح بمرورها بعد مجرد تغيير الوجهة إلى كازاخستان، رغم علم الجمارك التركية بأن روسيا هي الوجهة النهائية".
ويعتبر أن روسيا يمكنها إيجاد مسارات بديلة لشحنها حتى في حال تعطل الترانزيت التركي، مضيفاً: "يصب الحفاظ على الترانزيت التركي في مصلحة روسيا، ولكن في حال تمكُّن الولايات المتحدة من جرّ أنقرة إلى صفها على حساب المصالح الوطنية التركية، فيمكن لروسيا إيجاد بدائل للالتفاف على العقوبات مثل الجمهوريات السوفييتية السابقة، كبيلاروسيا وكازاخستان، وحتى الدول العربية مثل البحرين".
وكان رئيس جمعية "غروز أفتو ترانس" الروسية التي تضم شركات النقل البري، فلاديمير ماتياغين، قد أوضح أن شركات الشحن الروسية الناقلة للسلع عبر آلية الاستيراد الموازي، غيرت لوجستياتها، من طريق ذكر كازاخستان في الوثائق المرفقة على سبيل الوجهة بدلاً من روسيا.
وقال ماتياغين لصحيفة "إزفيستيا" الروسية يوم الاثنين الماضي: "الشحنات المحتجزة سابقاً في تركيا لا يمكنها مغادرة البلاد، إذ إن روسيا مذكورة في وثائقها كوجهة، والآن يُنظَر في مسألة الإفراج عنها باتجاه كازاخستان".
ومنذ 9 مارس/ آذار الجاري، تتوارد أنباء عن توقف تركيا عن السماح بترانزيت السلع إلى روسيا، وسط وضع أفراد الجمارك التركية حجزاً على السلع القادمة عبر آلية الاستيراد الموازي تحديداً، أي السلع المدرجة على قوائم العقوبات الغربية.
وعلى الرغم من انسحاب أكثر من ألف شركة عالمية، بما فيها "آبل" الأميركية و"سامسونغ" الكورية الجنوبية وحتى "هواوي" الصينية، من السوق الروسية منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا قبل عام ونيف، إلا أن سلعها ظلت متوافرة بمتاجر التجزئة الروسية عبر آلية الاستيراد الموازي التي تتيح توريد السلع الأجنبية من دولة ثالثة مثل تركيا وكازاخستان من دون اللجوء إلى وكيل معتمد.
وتستفيد الشركات الروسية في الوقت نفسه من استخدامها لموانئ دول آسيا الوسطى التي تقع هيمنة موسكو في تمرير العديد من السلع المحظورة عليها ضمن العقوبات الغربية. ولكن هذه الدول تتخوف من ضغوط واشنطن والدول الغربية عليها في حال استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا.