أزمة النقل ترهق النازحين في لبنان... لا وسائل مواصلات ميسرة

15 أكتوبر 2024
نقل نازحين من جنوب لبنان إلى مراكز إيواء في بيروت، 25 سبتمبر 2024 (كورتني بونو/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني لبنان من غياب النقل العام المنظم، مما يزيد من صعوبة حركة النزوح الداخلي، خاصة مع العدوان الإسرائيلي المستمر، حيث يواجه النازحون تحديات في الوصول إلى مراكز الإيواء والمدارس بسبب ضعف البنية التحتية والنقل الخاص.

- برزت مبادرات فردية مثل مبادرة وسام صقر لنقل النازحين مجاناً، لكنها لم تكن كافية لتلبية الطلب المتزايد على النقل، مما يبرز الحاجة إلى حلول مستدامة لضمان استمرارية الحركة في المدن المكتظة.

- وضعت الحكومة خطة طوارئ لنقل النازحين باستخدام باصات النقل العام، لكنها تواجه تحديات تنفيذية بسبب الظروف الأمنية وتوقف بعض الباصات، مما يستدعي تعزيز النقل المشترك لتخفيف الازدحام وتقليل التكاليف.

 

أدى غياب النقل العام المنظم في لبنان إلى تفاقم الأزمات، في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل، مما خلق تحديات كبرى أمام حركة النزوح الداخلي.

ومع تزايد أعداد النازحين، الذين اضطروا إلى مغادرة مناطقهم بحثاً عن الأمان، برزت مشكلة عدم توفر وسائل نقل فعّالة لنقلهم إلى مراكز الإيواء والمدارس.
على الرغم من محاولات فردية ومبادرات مجتمعية لتخفيف الأعباء، فإن غياب التنسيق الحكومي الواضح، وضعف البنية التحتية، وغياب وسائل نقل عامة مجانية أو ميسّرة، زاد من معاناة المواطنين.
وفي ظل الضغط المتزايد على النقل المشترك وخروج بعض شركات النقل الخاص عن الخدمة لأسباب أمنية، بات توفير حلول مستدامة أمراً ملحاً، ليس لتخفيف أعباء التنقل على النازحين فقط، بل أيضاً لضمان استمرارية الحركة في المدن والمناطق المكتظة بالسكان.
 

ازدحام خانق

توضح سعاد (نازحة من إحدى البلدات الحدودية) أنها اضطرت إلى اتخاذ قرار صعب، بعد انتظارها لساعات طويلة على أمل العثور على وسيلة نقل مجانية أو مشتركة من دون جدوى، فلم تجد أمامها خياراً سوى ركوب سيارة أجرة خاصة لنقلها مع أطفالها إلى بيروت.

تقول: "لا يوجد حل آخر، انتظرنا باصات أو سيارات نقل مشترك، لكن العدد كان قليلاً جداً والازدحام خانق، فاضطررت إلى أخذ سيارة أجرة ودفع مبلغ كبير حتى نصل إلى مكان آمن". تضيف: "دفعت ثلاثة ملايين ليرة لبنانية للرحلة، وهو مبلغ يفوق إمكانياتي، لكن الخوف على أطفالي وعدم توفر وسائل نقل أخرى دفعاني إلى اتخاذ هذا القرار". تعبر متألمة: "من المفترض أن نكون قادرين على الوصول إلى مراكز الإيواء بتكلفة معقولة، لكن ما يحدث اليوم هو استغلال للناس في ظل الأزمة".

مبادرة النقل المجاني

في المقابل، يصرّح وسام صقر (ابن بلدة الكفير الجنوبية) أنه أطلق مبادرة فردية لنقل النازحين مجاناً، من دون الحصول على أي مقابل مالي. يوضح: "ساعدت على قدر إمكانياتي لحين ما انتهت مواردي". يضيف أنه كان يرغب في الاستمرار في تقديم المساعدة، لكن الضغط الكبير من الاتصالات التي تلقاها من عدة مدارس، تطلبت منه إيصال الأدوية إلى مناطق مختلفة، مثل البقاع، عاليه، عرمون، بيروت، طرابلس، جعله غير قادر على المواصلة. يشير إلى أنه تمكن من تأمين كمية من الأدوية من خلال معارفه الشخصية.
يبين صقر أن هدفه الأساسي كان نقل النازحين إلى مراكز الإيواء والمدارس، من دون التدخل في موضوع تأمين بيوت للإيجار، قائلاً: "هؤلاء أهلنا، ويجب أن نقف إلى جانبهم". يردف أن معظم عمليات النقل كانت من بعلبك إلى طرابلس وجونية وبيروت، لافتاً إلى أنه استأجر "فان" واستخدم سيارته رباعية الدفع في عملية النقل.
يتابع صقر أنه كان يخطط قبل بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان لتأسيس شركة خاصة، لكن الأوضاع الصعبة لم تسمح له بتحقيق هذا الهدف، ومع ذلك قرر المضي قدماً في هذه المبادرة الإنسانية لمساعدة النازحين، بعيداً عن أي هدف مادي.
 

خطة طوارئ لخدمة النازحين

في سياق متصل، أفاد النائب في البرلمان اللبناني مارك ضو لـ"العربي الجديد"، بأن خطة الطوارئ ديناميكية وتتعدل باستمرار. وأوضح أنه في المرحلة الأولى، وبعد موجة النزوح الكبيرة، كان الهدف الأساسي نقل النازحين الذين كانوا يفترشون الساحات والطرقات إلى أماكن آمنة باستخدام باصات النقل العام.
أضاف ضو أن عمليات النقل تمّت باستخدام باصات النقل المشترك، وهي الوسيلة الوحيدة للنقل العام المتاحة في لبنان. ومع ذلك، لم تكتمل خطة النقل العام بفتح جميع الخطوط اللازمة لتحرك الناس بسهولة، خاصة أن هذه الباصات مملوكة لشركة خاصة تحتاج إلى دفع مقابل خدماتها وليست مجانية. وأشار إلى أن الشركة المتعاقدة ساهمت في البداية في نقل النازحين، لكنها توقفت حالياً عن العمل على الخطوط الرئيسية بسبب الظروف الأمنية الصعبة في البلاد، ما أدى إلى توقف بعض الباصات عن العمل.
وأكد النائب أن خطة الطوارئ الحالية تسعى إلى الاستفادة من النقل العام لنقل النازحين، لافتاً إلى أن هناك حاجة لتغيير مسارات النقل الداخلي في بيروت، حيث لا يمكن أن يبقى الخط من الحمرا إلى الضاحية كما هو. وأشار إلى أن الاستفادة من هذه الباصات يجب أن تتركز في المناطق ذات الكثافة السكانية المرتفعة، لتسهيل تنقل الناس بتكلفة منخفضة وضمان وصولهم إلى أماكن عملهم خلال هذه الفترة، خاصة ضمن بيروت.
وبيّن ضو أن النازحين والمواطنين يعانون اليوم من صعوبة التنقل بسياراتهم الخاصة، مما يتطلب تخفيف الأعباء عنهم من خلال تشغيل باصات النقل العام في بعض المناطق. وأكد أن هناك إشكالية تتعلق بالتكلفة، فلا يمكن أن تكون خدمات النقل مجانية بالكامل، لكن يجب أن تكون بأسعار رمزية لا تتجاوز 30 ألف ليرة لبنانية. كما أشار إلى أن خطة الطوارئ ركزت على إجلاء النازحين إلى مراكز الإيواء (الدولار = نحو 89600 ليرة).
وأشار ضو إلى أن وزير الأشغال والنقل، علي حمية، طلب من الشركة المتعاقدة نقل النازحين من بيروت إلى المدارس في الشمال خلال اليوم الأول من موجة النزوح، نظراً لأن هؤلاء النازحين لا يملكون القدرة على تحمّل تكاليف النقل إلى الشمال أو مناطق أخرى.
كما أكد الخبير الاقتصادي وعضو هيئة مكتب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أنيس أبو دياب، أن عملية النقل العام انطلقت في يوليو 2024، وتبعتها المرحلة الثانية في أغسطس الماضي. وأوضح أن هذه العمليات شملت خطوطاً أساسية ومحددة ضمن بيروت وضواحيها، إضافة إلى خطوط نحو المتن وطرابلس، لكنها كانت ضعيفة ولم تستطع مواكبة موجات النزوح.
وأشار أبو دياب إلى أن عملية النزوح في 23 سبتمبر الماضي كانت من أكبر عمليات النزوح التي شهدها لبنان، حيث نزح ربع السكان من منطقة إلى أخرى، وهو ما شكّل تحدياً كبيراً لقطاع النقل، الذي عجز عن الاستجابة للطلب المتزايد. وأضاف أن النقل الخاص أيضاً تعثّر خلال هذه المرحلة بسبب الكثافة السكانية العالية، وضعف البنى التحتية، واعتماد معظم العائلات على سياراتها الخاصة، في حين يقتصر النقل في القطاع الخاص على النقل الفردي.

وأوضح الخبير الاقتصادي أن لبنان يفتقر إلى وسائل النقل العامة الأساسية مثل الباصات والسكك الحديدية، أو المترو، وهو ما يزيد من الفوضى المرورية. وأكد أن النقل المشترك، سواء كان ضمن القطاع العام أو الخاص، يمكن أن ينظم حركة السير ويخفف من الازدحام، لكنه غير متوفر بالشكل المطلوب، مما يعكس قصور البنية التحتية في لبنان. وأضاف أنه يسكن في منطقة قريبة من خلدة، وأن المسافة التي كانت تستغرق خمس دقائق باتت اليوم تستغرق أكثر من 20 دقيقة، بسبب السيارات المركونة على جانبي الطرقات. وأكد أن تعزيز النقل المشترك سيساهم في تقليل الازدحام المروري.
وتابع أبو دياب أن لبنان بحاجة إلى دولة فعّالة، مشدداً على أن الحديث عن قطاعات اقتصادية يبقى بلا جدوى في ظل غياب دور الدولة منذ عام 2005 حتى اليوم. وأضاف أن الدولة لم تتخذ أي إجراءات استباقية لأن الأمور تفاقمت بطريقة لم تتصورها.
ولفت إلى أن خطة الطوارئ التي وضعها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي كانت جيدة من حيث المبدأ، لكنها لم تُنفذ بالشكل المطلوب. وأوضح أنه مع موجات النزوح الجديدة، بدأت بعض الباصات بنقل النازحين بشكل محدود، مؤكداً ضرورة اعتماد النقل المشترك لتخفيف الازدحام حول مراكز الإيواء وتقليل تكاليف النقل على النازحين، لا سيما مع ازدياد الطلب على وسائل النقل في المناطق المكتظة.

المواصلات المشتركة

صرح رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل، بسام طليس، لـ"العربي الجديد" أن الحكومة لم تدرج موضوع النقل ضمن خطتها، مشدداً على ضرورة مساءلتها في هذا الشأن. وأضاف أن النقل المشترك ما زال يعمل، لكنه شهد تراجعاً في بيروت وضواحيها بسبب هذه الأزمة.
وأوضح طليس أن الحكومة لم تطلب من الاتحاد أي مساعدة في عملية نقل النازحين، مشيراً إلى أن باصات النقل الخاص تابعة لشركات خاصة، وبالتالي لا يمكن للقطاع الخاص وضع خطة منفصلة عن خطة طوارئ الدولة. وأكد أنه طالما أن الحكومة لم تطلب من النقل المشترك أو القطاع الخاص أي دور في الخطة، فإن التنسيق في هذا المجال سيظل غائباً.

صرح رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل، بسام طليس، لـ"العربي الجديد" أن الحكومة لم تدرج موضوع النقل ضمن خطتها، مشدداً على ضرورة مساءلتها في هذا الشأن


وختم طليس بتأكيده على أهمية تعديل الحكومة لخطتها، وإدراج النقل العام ضمن برنامجها لتأمين حلول شاملة وفعالة.
ومن ناحية أخرى، صرّح الخبير الاقتصادي وعضو مجلس بلدية بيروت، إيلي يحشوشي، أن استغلال النازحين اليوم لا يقتصر فقط على غياب الدور الفعال للدولة، بل يتعداه إلى غياب المساعدات التي لا تصل إليهم بشكل مناسب، مضيفاً أن بلدية بيروت كانت قد قدّمت مشروعاً خاصاً بالنقل العام، لكن الحكومات المتعاقبة لم تقره. وأكد أنه لو عملت الدولة على تطبيق اللامركزية الإدارية، لتمكّنت من تفادي هذه المشكلة، مشيراً إلى أنه لو قامت البلديات في المناطق الأخرى، خاصة تلك المعرضة للقصف الإسرائيلي، بمهامها بشكل فعال، لتم تفادي العديد من الأزمات.
وتابع يحشوشي أن الدولة وضعت خطة طوارئ، لكنها تفتقر إلى معرفة شاملة بجميع المناطق اللبنانية، فلا يمكن إنقاذ منطقة دون فهم طبيعتها بشكل دقيق.
وأشار أيضاً إلى أن تسجيل المركبات وإصدار دفاتر السوق قد توقّفا، مما أتاح لأي شخص القيادة بدون رخصة، وهو ما تسبب في حالة من الفوضى يتحمل المواطن اللبناني تبعاتها. وأضاف: "نحن نعيش في دولة مارقة لا حكومة فيها ولا رئيس جمهورية، ولا أي وجود فعلي لها، فكيف يمكن الحديث عن نقل عام في ظل هذه الظروف؟".
وأوضح أنه خلال جولته في بيروت لاحظ الوضع المزرى للنازحين، داعياً إلى ضرورة تضميد جراحهم في ظل هذه الأزمة، حتى ختم قائلاً: "نحن كلبنانيين دائماً نقف إلى جانب بعضنا بعضا في الأزمات".

المساهمون