أزمة "المركزي" الليبي تطاول تونس... سوق الصرف الموازي في بن قردان تتباطأ

05 سبتمبر 2024
جانب من سوق مدينة بن قردان في جنوب شرقي تونس (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تأثير أزمة المصرف المركزي الليبي**: تعاني أسواق الصرف في تونس، خاصة بن قردان، من ركود بسبب أزمة المصرف المركزي الليبي وإغلاق معبر رأس الجدير، مما أدى إلى شلل السوق.
- **تراجع تدفق السلع والأموال**: تراجع تدفق السلع والأموال بين تونس وليبيا أدى إلى انخفاض الطلب على خدمة الصرف بأكثر من 80%، مما أثر على تدفق الليبيين لأغراض علاجية أو سياحية.
- **منظومة الصرف الموازي**: تقرير مركز "فريدريش إيبرت" كشف أن التصاريح بالعملة الأجنبية من ليبيا تحتل المرتبة الأولى في تونس، لكن الصرف بالبنوك يمثل 1% فقط، مما يؤكد هيمنة الصرف الموازي وتراجع سعر صرف العملة الليبية.

 

تتمدد أزمة المصرف المركزي الليبي لتطاول أسواق الصرف في تونس بعد ركود حركة الأموال في أكبر سوق للصرف الموازي بمدينة بن قردان الحدودية.

وينتظر تجار السوق في بن قردان انفراج الأزمة بعد إعلان السلطات الليبية الشروع بصرف رواتب الموظفين وتوفير البطاقات العلاجية وسط قلق من استمرار حالة الشلل التي ضربت السوق منذ بداية الأزمة. ويشكو التجار من تراجع كبير في حجم النشاط المالي منذ بروز أزمة المصرف المركزي الليبي وإغلاق المعبر الحدودي بين البلدين برأس الجدير.
ومنذ منتصف أغسطس/ آب الماضي، تعيش ليبيا توترات سياسية على خلفية أزمة إصدار المجلس الرئاسي بالعاصمة طرابلس قراراً بعزل محافظ المصرف المركزي الصدّيق الكبير، وتعيين محمد الشكري مكانه، وهو الإجراء الذي رفضه مجلسا النواب والدولة، لصدوره عن جهة "غير مختصة" على حد وصفهما. وتوجد في مدينة بن قردان الحدودية أكبر سوق صرف موازٍ في البلاد، حيث تبلغ معاملات التجار خارج النطاق المصرفي نحو عشرة ملايين دينار يومياً، أي ما يزيد على 3 ملايين دولار.
 

تراجع تدفق السلع والأموال

ولكن تراجع تدفق حركة السلع والأموال بين تونس وجارتها الجنوبية نتيجة الأوضاع في ليبيا يضع السوق في وضع ترقب، وفق ما أكده صاحب محل صرافة في السوق الموازي ببن قردان طلب عدم الكشف عن هويته.

ويقول التاجر إن الحركة في السوق متباطئة، حيث تراجع الطلب على خدمة الصرف بأكثر من 80% نتيجة تعثر تدفق السلع والأفراد مع تواصل غلق معبر رأس الجدير ونقص السيولة المالية في ليبيا. وأكد المتحدث في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن نشاط سوق الصرف يرتبط بتدفق السلع والأفراد، حيث يقبل التجار التونسيون على شراء الدينار الليبي بهدف تسيير عملياتهم التجارية لتوريد أدوات منزلية أو بنزين من السوق السوداء، غير أن أزمة البنك المركزي الليبي جعلت السلع شحيحة.
وأشار في سياق متصل، إلى أن سوق الصرف تعاني من أزمة مزدوجة ناجمة عن غلق معبر رأس الجدير الذي يمثل الشريان الحيوي بين البلدين، وأيضاً أزمة المصرف المركزي الليبي التي أدت إلى شحّ السيولة وأثرت على تدفق الليبيين نحو تونس لأغراض علاجية أو سياحية.

وتابع: "تمنح السلطات الليبية مواطنيها حوالات بالنقد الأجنبي لأغراض شخصية، تُصرَف في بنوك تونسية لغايات علاجية بالأساس، غير أن إسناد هذه الحوالات غير متاح في الوقت الحالي بسبب التوقف الشامل للمنظومة الرقمية للبنك المركزي الليبي". وأكد التاجر نفسه أن الليبيين يتولون صرف قيمة الحوالات في البنوك التونسية عند الدخول إلى تونس، ثم يعيدون تحويل المبالغ المتبقية إلى دنانير ليبية في سوق الصرف الموازية ببن قردان.
 

منظومة الصرف الموازي

وكشف تقرير نشره مركز "فريدريش إيبرت" عام 2022 أن نتائج دراسة قامت بها لجنة التحاليل المالية للبنك المركزي التونسي تحت مسمى عملية "حنبعل" أثبتت أن التصاريح بالعملة الأجنبية الوافدة من ليبيا احتلت المرتبة الأولى، تليها فرنسا والجزائر. وقد سجّلت البنوك التونسية خلال الفترة التي غطّتها العمليّة (13 شهراً)، نحو 901 عملية استبدال عملة أجنبية إلى عملة تونسية لدى البنوك بقيمة نحو ثمانية ملايين دينار موزعة بين 14 بنكاً.

وقد تبيّن من خلال هذا المسح أن عمليات استبدال العملة الأجنبية بالبنوك لا تمثّل إلا 1% من حجم التصاريح بالعملة الأجنبية المورّدة. وقد قدّرت عملية حنبعل حجم التدفقات المالية غير الشرعية بما يعادل نحو 1.7 مليار دولار، وهو ما يؤكّد عدم قدرة النظام البنكي على مجاراة النّسق الحثيث لمنظومة الصّرف الموازية.
وأوضحت مؤسسة "فريدريش إيبرت" الألمانية في تقريرها، استناداً إلى دراسة ميدانية قامت بها المؤسسة الألمانية للتعاون أن نحو خمسة صرافين كباراً يهيمنون على سوق الصرف الموازية في منطقة بن قردان، بالإضافة إلى العشرات من صغار الصرافين الذين يشتغلون لحسابهم الخاص أو لحساب الخماسي المهيمن، يراوح عددهم بين 205 و300.

وقدرت الدراسة حجم التحويلات بالعملة الصعبة، انطلاقاً من منطقة بن قردان إلى الخارج، بما يعادل ما بين 1 و3 ملايين دينار في اليوم، أي ما يناهز بشكل تقريبي 750 مليون دينار سنوياً.
 

تقويض التجارة الحدودية

أشار الرئيس السابق للمجلس المحلي بمدينة بن قردان فتحي العبعاب إلى أن ازدهار المعاملات المالية والتجارية في المنطقة الحدودية مرتبط بالاستقرار الأمني والسياسي والمالي في البلدين، مؤكداً أن غياب هذه العوامل يقوّض مقومات التجارة الحدودية بفرعيها الرسمي وغير الرسمي. وأكد العبعاب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الحركة التجارية جنوبيّ تونس تنعش أسواق الصرف وتزيد الطلب على العملة في المناطق الحدودية لتأمين الواردات بين البلدين، مشيراً إلى أن أزمة المصرف المركزي الليبي تربك الأوضاع الاقتصادية في دول الجوار وتؤثر في مَواطن الرزق في السوق الموازية.
ولفت العبعاب إلى أن تباطؤ النشاط التجاري يؤثر سريعاً بسعر الصرف في المناطق الحدودية، حيث يسجل تراجع الطلب على الدولار، كما هبط سعر صرف العملة الليبية إلى نحو 43 ديناراً مقابل كل 100 دينار تونسي، بينما وصل السعر سابقاً إلى 50 ديناراً بعد فتح المعبر في يوليو/ تموز الماضي.
وأكدت دراسة صدرت في نهاية الشهر الماضي عن المركز الليبي للدراسات ورسم السياسات أن "إطالة أمد الخلاف حول البنك المركزي قد تقود إلى تأزم مشكلة السيولة النقدية، إضافة إلى توقف إمداد مصرف ليبيا المركزي للبنوك التجارية بالسيولة النقدية اللازمة".