خلال مباحثاته بوساطة أممية، للسماح بإعادة فتح موانئ لتصدير بعض المحاصيل الغذائية من أوكرانيا، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده، والدول النامية، تعرّضت للخداع.
ونشرت وكالة رويترز الإخبارية، يوم الخميس، تقريراً أكدت فيه أن الاتفاق الأصلي، الذي جرى التوصل إليه خلال شهر يوليو/ تموز الماضي، أنشأ قناة شحن آمنة للصادرات من ثلاثة موانئ في أوكرانيا، وأن التركيز في البداية كان على تمكين السفن المحاصرة في البلد الذي مزقته الحرب منذ الغزو الروسي في فبراير/ شباط الماضي من المغادرة، باتجاه مجموعة من أفقر البلدان في العالم، ممّن تأثروا بتوقف إمدادات القمح والذرة الأوكرانيين إليهم.
لكن الوكالة أشارت إلى أن أغلب السفن التي كانت عالقة في الموانئ الأوكرانية كانت محمّلة بالذرة، وأن الدول المتقدمة، مثل إسبانيا، كانت قد حجزتها بالفعل لاستخدامها في علف الحيوانات أو الوقود الحيوي.
ورغم الكميات التي جرى شحنها، أشارت الوكالة إلى أن تخفيف حدة أزمة الغذاء العالمية يتطلب الإفراج عن مزيد من الشحنات، المكدس بعضها في الموانئ الأوكرانية. وقالت "رويترز" في تقريرها إن "أوكرانيا لديها حوالي 20 مليون طن من الحبوب المتبقية من محصول العام الماضي المتراكم في جميع أنحاء البلاد، بالإضافة إلى محصول القمح هذا العام، والذي يقدر بنحو 20 مليون طن أخرى".
وأشارت "رويترز" إلى أن الموانئ الثلاثة المشاركة في الصفقة - أوديسا وتشورنومورسك وبيفديني – لديها قدرة إجمالية على شحن ما يقرب من ثلاثة ملايين طن شهرياً، ويتوقع البعض ألا يتحقق هذا المستوى من الصادرات إلا في أكتوبر / تشرين الأول القادم.
ولا يبدو أن الأمور ستكون ميسرة، حيث أشارت "رويترز" إلى ضرورة توفير عدد كبير من السفن لنقل مثل هذا الحجم الكبير من الحبوب، وأن بعض مالكي السفن قد يكونون مترددين في دخول منطقة حرب، خاصة مع التهديد الذي تشكله الألغام وارتفاع تكلفة التأمين.
وارتفعت أسعار القمح في بورصة شيكاغو بشكل حاد في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، لكنها تراجعت بالفعل إلى مستويات ما قبل الغزو بحلول أوائل يوليو/ تموز الماضي، قبل أسابيع من الاتفاق على الممر البحري، بفعل ارتفاع الصادرات الروسية منه، تزامناً مع الإعلان عن تخوفات من تباطؤ الاقتصاد العالمي، وقوة الدولار الأميركي أمام كل أنواع الأصول.
ونقلاً عن محللين، تقول وكالة رويترز إن زيادة الصادرات يمكن أن تساهم في تراجع الأسعار، على الرغم من أنه حتى الآن لم يتم شحن إلا ما يقرب من 500 ألف طن من القمح عبر الممر، بينما صدّرت أوكرانيا حوالي 18 مليون طن سنوياً في آخر المواسم قبل الغزو.
ولا تزال أسعار المواد الغذائية الأساسية القائمة على القمح، مثل الخبز والمعكرونة، أعلى بكثير من مستويات ما قبل الغزو في العديد من البلدان النامية، على الرغم من انخفاض العقود الآجلة في شيكاغو، بسبب ضعف العملات المحلية، وارتفاع أسعار الطاقة، مما أدى إلى ارتفاع التكاليف مثل النقل والتعبئة.
ويشير تقرير الوكالة إلى صعوبات قد تعوق حركة شحن المحاصيل من أوكرانيا، يتمثل أهمها في الاتهامات المتبادلة بين روسيا وأوكرانيا بزرع الألغام البحرية في مياه البحر الأسود. وتقول الوكالة إن بعض هذه الألغام قد انتقل إلى المياه القريبة من كل من رومانيا وبلغاريا وتركيا، وأن الأمر يحتاج شهوراً قبل إتمام التعامل معها، خاصة مع وجود عقبات أخرى، تتعلق بتكلفة التأمين على الشحن، وتوفر الأطقم العاملة على السفن.
وقبل يومين، نشرت جريدة "ذا غارديان" البريطانية تقريراً أكدت فيه أن ما نشهده من أزمة غذائية عالمية في الوقت الحالي هو مجرد بداية لما ستؤول إليه الأمور قريباً، مؤكدةً أن الأسعار ستستمر في ارتفاعها بفعل "الصدمات المناخية وتأثيرات الحرب في أوكرانيا"، التي تسببت في إحداث مشكلات هيكلية في منظومة الغذاء العالمية.
وقالت الصحيفة إن ما اتفق عليه زعماء العالم قبل سبع سنوات، بالعمل على إنهاء الجوع بحلول عام 2030، أصبح الآن أبعد مما كان في أي وقتٍ مضى. وأضافت أن الأمم المتحدة ذكرت أن عدد الأشخاص من هم في "حالة طوارئ الجوع"، أي من هم على بعد خطوة واحدة من المجاعة، قفز من 135 مليوناً في عام 2019، إلى 345 مليوناً.
ونقلت الصحيفة عن عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، قوله إن "الحرب نفسها لم تخلق أزمة"، بل "وضعت الكثير من الوقود على نار مشتعلة بالفعل"، بينما أكدت الأمم المتحدة أن المشكلة في الوقت الحالي ليست في توفر الغذاء، وإنما في "القدرة على الوصول إليه وتحمّل تكلفته".
وعلى الصعيد العالمي، ارتفعت الأسعار بنحو 20% على أساس سنوي، لكن تضخم أسعار المواد الغذائية وصل إلى 33% في إيران، و122% في لبنان، بسبب ضعف العملات المحلية، كما تراجع الإنتاج. وعلى نحو متصل، ارتفعت أسعار الأسمدة بنسبة تصل إلى 300% في بعض البلدان في إفريقيا؛ حيث عرقلت الحروب والتغيرات المناخية زراعة محاصيل العام المقبل.
وتتركز تجارة الحبوب في أيدي أربع شركات عالمية فقط، حققت خلال الأشهر الأخيرة أرباحاً قياسية من تجارة المواد الغذائية الأساسية التي لا تستغنى عنها أي دولة في العالم.
ونادى البعض مؤخراً بضرورة فرض ضرائب عالية على تعاملات تلك الشركات، من أجل توفير الأموال التي يمكن من خلالها المساهمة في توفير الغذاء لفقراء العالم، وفي الوقت نفسه وضع أساسيات نظام غذائي عالمي أكثر استقراراً وعدلاً.
وتقول "ذا غارديان" إن أي حل طويل الأجل يتطلب العمل على الحد من انبعاثات الكربون، وتكييف المحاصيل مع تغيرات المناخ، وتقليل الاعتماد على الأسمدة الكيماوية، بالإضافة إلى تحدي هيمنة عدد صغير من اللاعبين في أسواق الغذاء، مشيرة إلى أن "خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة هاجموا قمة النظم الغذائية الرئيسية في العام الماضي، لفشلها في تضمين أصوات الفئات الأكثر ضعفاً، أو إحداث أي تغيير ذي مغزى".