أزمة الطاقة تضرب الانتعاش العالمي مع اقتراب الشتاء

19 أكتوبر 2021
مزارع يتفقد سنابل القمح في ألمانيا وسط مخاوف من تضرر المحاصيل من أزمة الطاقة (Getty)
+ الخط -

تضرب أزمة الطاقة بمعولها في مناطق متفرقة من العالم، حيث شح الكهرباء إلى إطفاء أعمدة إنارة في شوارع وإغلاق مصانع في الصين، ولا يجد مزارعو الذرة والقمح الألمان أسمدة مصنوعة من الغاز الطبيعي، أما الفقراء في البرازيل فيختارون بين دفع ثمن الطعام أو الكهرباء.

بات العالم محاصراً بأزمة طاقة، وهناك ضغط شرس على بعض الأسواق الرئيسية للغاز الطبيعي، والنفط، وأنواع الوقود الأخرى التي تحافظ على بقاء الاقتصاد العالمي، وتضيء المصابيح في الشوارع، ووسائل التدفئة في المنازل.

مع اقتراب فصل الشتاء، يعني ذلك ارتفاع فواتير الكهرباء، والخدمات، والمنتجات، ما يثير قلقاً متزايداً بشأن كيفية تعافي أوروبا والصين من جائحة فيروس كورونا، بينما تعدان من أكثر المناطق المستهلكة للطاقة. يتركز الضغط الأكبر على الغاز الطبيعي في أوروبا، التي تستورد 90% من احتياجاتها، ومعظم الإمدادات تأتي من روسيا.

وقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا إلى خمسة أضعاف مقارنة بما كانت عليه بداية العام، ولم تعد تداعيات الأزمة تقتصر على مستخدمي الكهرباء في المنازل، بل على منتجي مختلف السلع والخدمات.

وأضحى الوضع الحالي يضر بالسلسلة الغذائية الإيطالية بشدة، حيث من المتوقع ارتفاع أسعار الميثان ستة أضعاف، ما سيرفع تكلفة تجفيف الحبوب، ما قد يؤدي في النهاية إلى رفع سعر الخبز، والمعكرونة في المتاجر، وكذلك اللحوم، والألبان، حيث يضطر المزارعون إلى دفع المزيد من الأموال مقابل الحبوب لإطعام حيواناتهم، وسينقلون هذه التكلفة إلى الزبائن.

قال فالنتينو ميوتو، المسؤول في جمعية "آيرس" الإيطالية، التي تمثل قطاع الحبوب، وفق وكالة أسوشييتد برس، اليوم الثلاثاء: "بدأنا نعاني كثيراً منذ أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي". وبحسب محللين، فإن هناك مجموعة أحداث تسببت في أزمة الغاز، كارتفاع الطلب بشكل حاد مع انتعاش الاقتصاد عقب الجائحة، بينما استنفد الشتاء البارد الاحتياطيات.

وأعاقت شركة "غازبروم" الروسية، المورد الرئيسي لأوروبا، الإمدادات الصيفية الإضافية بخلاف عقودها طويلة الأجل لتوفير الاحتياطيات للمنازل خلال الشتاء.

وفي الصين عاد الطلب على الكهرباء إلى الارتفاع مرة أخرى، ما أدى لتفريغ الإمدادات المحدودة من الغاز الطبيعي المسال، الذي يتحرك بالسفن وليس عبر خطوط أنابيب.

وأدى ارتفاع تكلفة الغاز الطبيعي إلى ارتفاع أسعار النفط، لأن بعض مولدات الطاقة في آسيا قد تتحول من استخدام الغاز إلى مشتقات النفط، إذ تجاوز سعر الخام الأميركي 83 دولاراً للبرميل، وهو أعلى مستوى في سبع سنوات، في حين بلغ خام برنت القياسي الدولي حوالي 85 دولاراً، حيث حذرت منظمة "أوبك" والدول الحليفة لها بشأن استعادة خفض الإنتاج، وهو الإجراء الذي اتخذ أثناء الجائحة.

"هناك احتمال بأن تكون الأزمة قصيرة الأمد، لكن من الصعب تحديد المدة التي سيستمر فيها ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري"، بحسب ما قالته كلوديا كيمفرت، خبيرة اقتصاديات الطاقة في المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية في برلين. وأضافت كيمفرت: "الدرس الذي تجب الاستفادة منه هو ضرورة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وتوفير الطاقة".

من جانبها، حثت المفوضية الأوروبية الدول الأعضاء، الأسبوع الماضي، على تسريع وتيرة الموافقات على مشاريع الطاقة المتجددة كطاقة الرياح، والطاقة الشمسية، قائلة إن "الانتقال للطاقة النظيفة هو أفضل تأمين لصدمات الأسعار في المستقبل".

في غضون ذلك، يعمل بعض الصناعات الأوروبية المعتمدة على الغاز على تقليص الإنتاج. وخفضت شركتا الكيميائيات الألمانيتان "باسف"، و"إس كيه دابليو"، من إنتاج الأمونيا، وهو مكون رئيسي في الأسمدة.

وجعل ذلك هيرمان غريف، وهو مزارع في بلدة بينزبرغ في ولاية بافاريا جنوبي ألمانيا، يعود خالي الوفاض عندما حاول طلب أسمدة للعام المقبل. وقال: "لا يوجد منتج ولا سعر ولا حتى عقد. هذا وضع لم نشهده من قبل. هناك شيء واحد مؤكد: إذا لم أوفر للمحاصيل الغذاء الذي تحتاجه، فسيقل المحصول. هذا هو الأمر ببساطة".

وأضاف غريف، الذي يزرع الذرة لتغذية منشأة للطاقة الحيوية تغذي شبكة الكهرباء بالطاقة الخالية من الانبعاثات، أن ارتفاع أسعار الطاقة أضر بمزارعي المنطقة بالفعل، والذين يحتاجون إلى وقود الديزل لتشغيل الآلات، وتدفئة الحيوانات.

وبالمثل في إيطاليا، يتوقع ارتفاع تكلفة الطاقة، خلال العمليات المتعلقة بالقمح والذرة، أكثر من 600% في الأشهر الثلاثة التي تنتهي في 31 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، بحسب ما قاله اتحاد الحبوب في البلاد. وتوقع جيامبيترو سكوساتو، مستشار الطاقة في جمعية أيرس، استمرار التقلبات، وارتفاع الأسعار في العام المقبل.

وسيعاني السكان في جميع أنحاء العالم من ارتفاع فواتير الخدمات العامة هذا الشتاء، ومن بينهم الولايات المتحدة، حيث حذر المسؤولون من أن أسعار تدفئة المنازل قد تقفز بنسبة تصل إلى 54%. وستطاول التكاليف المرتفعة فواتير الدعم الحكومي أيضا، إذ أعلنت حكومات إسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، واليونان عن تدابير لمساعدة العائلات ذات الدخل المنخفض، في حين يعمل الاتحاد الأوروبي على تقديم مساعدات مماثلة.

 

المساهمون