اضطر البنك المركزي الجزائري إلى التدخل لإنقاذ القطاع المصرفي من أزمة السيولة التي تعصف به، منذ قرابة السنة، وازدادت حدتها منذ بداية تفشي فيروس "كورونا" شهر مارس/آذار المنصرم، إذ سمح البنك المركزي للمصارف المعتمدة في البلاد، باللجوء إلى تخفيض احتياطاتها مرة أخرى.
ويأتي ذلك في وقت تصر فيه الحكومة على أن أزمة السيولة التي تمر بها الجزائر ظرفية وعابرة، مردها ارتفاع الطلب على الأموال والمدخرات بسبب المخاوف من انهيار الاقتصاد الجزائري جراء الركود الذي خلفه "كوفيد19". ووفق تعليمات أرسلها البنك المركزي الجزائري للمصارف الناشطة في الجزائر في 15 سبتمبر/أيلول الحالي، فإنه بدءاً من أكتوبر/ تشرين الأول القادم، سيتراجع حجم احتياطي المصارف الإلزامي من 6% من الوعاء الإجمالي لاحتياطي جميع المصارف إلى 3%، ما يعني أن المصارف ستضخ نصف احتياطها من العملة الصعبة والدينار في السوق المصرفية.
وحسب الوثيقة التي اطلع عليها "العربي الجديد"، أرجع المصرف المركزي الجزائري هذه الخطوة إلى "تهاوي عائدات النفط بسبب انهيار الأسعار، التي أدت بالقطاع المصرفي إلى عيش نوعٍ من "جفاف في السيولة المصرفية" منذ سنة 2015. وتستهدف كل هذه الإجراءات تحرير هوامش إضافية من السيولة بالنسبة للمصارف حتى تموّل الاقتصاد المتعثر، كما يقول البنك المركزي في تعليماته المرسلة إلى جميع المصارف.
وكان المركزي الجزائري قد تدخل مطلع إبريل/نيسان الماضي، في السوق المصرفية، بإلزامه المصارف بخفض احتياطاتها من السيولة من 12% إلى 8%، وذلك تحت ضغط نقص السيولة، ليتدخل مجددا شهر مايو/أيار الماضي ويلزم البنوك بخفض الاحتياطي المالي إلى 6%، قبل أن يخفضها مجدّدا منتصف الشهر الجاري. وتعد هذه المرة السادسة التي يقرر فيها المصرف المركزي التدخل لتعديل سقف احتياطي المصارف العمومية والخاصة خلال 35 شهراً، بهدف توفير السيولة المطلوبة داخل القنوات الرسمية. وتعمل في الجزائر 20 مؤسسة مصرفية، منها سبعة مصارف عمومية (حكومية)، والباقي مصارف خاصة، حسب بيانات رسمية.
وأكد عضو جمعية البنوك، بغداد عمار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تدخل المركزي الجزائري كان منتظرا، وجاء تحت ضغط البنوك التي أرسلت عدة تقارير حمراء حول وضعيتها المالية، ما جعل احتياطي المصارف الإلزامي هو الملاذ، حيث خفّض لمستويات تاريخية هذه المرة وخطيرة في نفس الوقت، إذ إن 3 بالمائة هي نسبة ضئيلة للغاية وترفع مستويات الخطر بالنسبة للبنوك".
وأضاف عمار أن "المركزي الجزائري ليس أمامه إلا هذا الخيار في الوقت الراهن، في ظل شح تراجع عائدات البنوك، وتجميد طبع الأموال من طرف الحكومة الجزائرية، ما ينذر بتهاوي السيولة البنكية لمستويات أبعد من تلك المسجلة مطلع السنة".
وتعاني بنوك الجزائر من أزمة السيولة، رغم التدخلات العديدة للبنك المركزي، لإنقاذها من فخ شح الموارد الذي دفعها إلى الامتصاص من الاحتياطات الإجبارية، حيث هوى حجم السيولة المتداولة في السوق البنكية إلى ما تحت عتبة 8 مليارات دولار، ما رفع حجم العجز من 49 بالمائة شهر مارس/آذار الماضي، إلى 55 بالمائة نهاية مايو/أيار الماضي، علما أنها كانت عند 20 بالمائة مطلع سنة 2019. ولمواجهة الأزمة، شدّد البنك المركزي الجزائري، شهر يونيو/ حزيران، القيود على عمليات منح القروض من طرف المصارف والمؤسسات المالية، بتخفيض نسبة منح القروض الاستثمارية والقروض البنكية العقارية لأكبر درجة ممكنة.
وحسب الخبير المصرفي، سليمان ناصر ياحي، فإن "تدخل المركزي الجزائري لخفض الاحتياطي المالي للبنوك، يعتبر دليلا على أن أزمة السيولة بلغت الذروة، وتحتاج لحلول عميقة وليس مسكنات للآلام، فبعد 3 أشهر ستجد البنوك نفسها أمام نفس المشكل وهذه المرة لا يمكن للمركزي أن يتجاوز قواعد "تسيير" الشأن المالي بجعل البنوك تعمل دون احتياطي". وأضاف نفس المتحدث لـ"العربي الجديد" أن "طباعة الأموال واحتياطي الصرف يمكن أن يكونا ملاذا مستقبلا، لكن بالموازاة مع ذلك على المركزي والحكومة بالدرجة الأولى، التفكير في طرق امتصاص الأموال المتداولة خارج الاقتصاد الرسمي وإعادة ضخها في البنوك، سواء عن طريق رفع نسب الفائدة التي تعد تحت مستويات التضخم الآن، أو عن طريق طرح سندات دين عام داخلي بنسب فوائد مرتفعة".
وبلغ احتياطي الصرف الجزائري من العملة الصعبة 57 مليار دولار، مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، وبهذا الرقم يسجل تراجعاً بنحو 15 مليار دولار في 16 شهرا، حيث استقر الاحتياطي مع نهاية إبريل/نيسان 2019 عند 72.6 مليار دولار، مقابل 88.79 مليارا نهاية 2018، و97.33 مليار دولار نهاية 2017. وتوقعت الحكومة الجزائرية في موازنة سنة 2020، تراجع احتياطي الصرف إلى 51.6 مليار دولار مع نهاية العام الجاري. وبدأت احتياطات الجزائر بالتراجع منذ النصف الثاني من سنة 2014، متأثرة بانخفاض أسعار النفط في السوق الدولية، لتنهي بذلك ثماني سنوات متتالية من الارتفاع، إذ تخطت الاحتياطات 194 مليار دولار في نهاية 2013.