أزمات الاقتصاد الإسرائيلي في 2024: حرب غزة وصواريخ الحوثي تعمق العجز المالي

27 ديسمبر 2023
متظاهرون في تل أبيب يصرخون: أنقذوا الاقتصاد (Getty)
+ الخط -

يواجه الاقتصاد الإسرائيلي مجموعة من الأزمات الكبرى في العام المقبل 2024، بسبب تأثيرات "عملية طوفان الأقصى" والكلفة الباهظة للحرب على غزة، وتداعيات تفاقم المخاطر الأمنية والجيوسياسية على الميزانية الإسرائيلية التي من المتوقع أن يرتفع فيها العجز، وكلفة الاستدانة لتمويل نفقات جيش الاحتلال المتصاعدة، وهروب المستثمرين من الأصول الإسرائيلية، وارتفاع الديون وكلفة خدمتها على البلاد.

إضافة إلى كلف الشحن والتأمين على السفن والبضائع المتجهة للموانئ الإسرائيلية وسط ضربات صواريخ ومسيّرات الحوثي المتواصلة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

في هذا الصدد، يقدر بنك إسرائيل، (البنك المركزي) أن الحرب على غزة سترفع العجز في الميزانية الإسرائيلية إلى 5% في العام المقبل، وتخفض دخل الخزينة من الضرائب، بنحو 9.3 مليارات دولار.

كما ستكلف الناتج المحلي الإجمالي نحو 11% حتى العام 2025، وذلك بحسب تقديرات البنك الدولي لقيمة الدخل العام الإسرائيلي في العام 2022 البالغة 522.03 مليار دولار.

في ذات الصدد، تقول البروفسورة نعومي فلدمان، أستاذة الاقتصاد بالجامعة العبرية في تل أبيب، إن الاقتصاد الإسرائيلي كان في حالة جيدة قبل الحرب، ولكن منذ بدء الحرب على غزة تدهور الاقتصاد.
يُذكر أن عملية "طوفان الأقصى" قد أدت إلى انهيار سريع في سعر صرف الشيكل في شهر أكتوبر/تشرين الأول، قبل أن تتحسن قيمته خلال شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول، لأسباب خارجية.

وترى البروفسورة فلدمان، في تعليقات نقلتها صحيفة "جويش نيوز سينديكت"، مساء يوم السبت، أن الاقتصاد الإسرائيلي يواجه في العام المقبل 2024، مجموعة من الأزمات أكبرها أزمة عدم اليقين حول المستقبل، والخلافات حول الميزانية التي تضخمت بسبب الحرب على غزة، ومستقبل التصنيف السيادي لإسرائيل من قبل مؤسسات التصنيف الكبرى، وارتفاع التضخم إلى جانب مخاوف أخرى.

من جانبها، قالت وزارة المالية يوم الاثنين، إن حرب إسرائيل مع حماس في غزة ستكلفها على الأرجح ما لا يقل عن 50 مليار شيكل (14 مليار دولار) أخرى في العام 2024، كما ستؤدي إلى مضاعفة عجز الميزانية، ثلاث مرات تقريبًا، متوقعة أن تستمر الحرب على غزة حتى فبراير/ شباط العام المقبل 2024. وذلك حسب ما نقلته نشرة "غلوبس" المالية مساء الاثنين.

في هذا الشأن، قال نائب مفوض الميزانية بالوزارة، إيتاي تيمكين، في إحاطة للكنيست الإسرائيلي، إنه من المتوقع أن تستمر الحرب لمدة شهرين على الأقل حتى عام 2024، مضيفاً أنها ستكلف البلاد 30 مليار شيكل للأمن و20 ملياراً أخرى للنفقات المدنية وغيرها. 

إنفاق عسكري ضخم 

ويقول تحليل بصحيفة كالكاليست العبرية نشر في 23 ديسمبر/ كانون الأول الجاري: "من المحتمل جداً أن ترتفع نفقات الحكومة بسبب الزيادة الدائمة في نفقات الدفاع وزيادة مدفوعات الفوائد. ومن المتوقع أن تكون هذه النفقات أقل بكثير من التكاليف الحالية للحرب، لكنها كبيرة".

وتشير جميع الهيئات الاقتصادية الدولية، بما فيها وكالتا موديز وستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني وصندوق النقد الدولي، التي قامت بتحليل تداعيات عملية "طوفان الأقصى" والحرب على غزة، إلى أن نفقات الدفاع الإسرائيلية سترتفع على المديين المتوسط والطويل.

أي أنه على الرغم من أن الجميع يؤكد حالة عدم اليقين المحيطة بالأحداث الأمنية الحالية، إلا أن هناك إجماعاً على أن القفزة في الإنفاق الدفاعي الإسرائيلي هي أمر واقع.

ويرون أن هذا تغيير بعيد المدى بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي وسياسة الميزانية، إذ إن نفقات الدفاع الإسرائيلية، على الرغم من تزايدها كل عام، تتناقص من حيث وزنها في الناتج المحلي الإجمالي.

وإذا كانت النفقات الدفاعية تشكل قبل ثلاثين عاماً نحو 8.2% من الناتج المحلي الإجمالي، فإنها تراجعت في العام الماضي بشكل كبير وبلغت نحو 4.2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي. 

في العام 2023، خصصت الحكومة الإسرائيلية 30 مليار شيكل أخرى لنفقات الدفاع بعد الحرب، وهو مبلغ يعادل 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يرفع العبء العسكري على إسرائيل إلى حوالي 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي.

وتشير التقديرات إلى أن هذه القفزة في نفقات الدفاع الإسرائيلية كانت لمرة واحدة، في حين أن المستوى الدائم للنفقات سيرتفع بنسبة 0.5-1% من الناتج المحلي الإجمالي، أي بمقدار 10 إلى 20 مليار شيكل سنوياً.

كما أن هناك اتفاقا واسع النطاق على أن هناك حاجة إلى استثمار أكبر في الأمن بعد الهجوم الذي أدى إلى الحرب.

ويرى محللون أن نموذج الجيش الصغير والذكي قد انهار في السابع من أكتوبر/تشرين الأول بعد عملية "طوفان الأقصى"، وسيتعين على الجيش الإسرائيلي أن يتغير في السنوات المقبلة.

أيضا، إن المخصصات الإضافية لنفقات الحرب والتي أقرها الكنيست تثير سلسلة من الأسئلة، تتمحور حول مسألة بنود إنفاق الأموال ومجالاتها، ومصدر الأموال، أي أين ستوضع الأموال؟ وكيف ستمول حكومات إسرائيل هذه الزيادة في الإنفاق العسكري في المستقبلين القريب والبعيد؟

ويقول تحليل "كالكاليست" إن لدى وزارة المالية أربع طرق لتمويل الإضافة الدائمة لميزانية الدفاع، وهي: زيادة الضرائب، أو زيادة الإيرادات العامة، أو تحويل الإنفاق المدني لمصلحة الإنفاق الدفاعي وهذا يضر بالمواطنين ويفاقم مشكلة البلاد، أو زيادة العجز بمزيد من الديون. وهذه الطرق تخلق جميعها أزمات لإسرائيل في العام 2024. 

ثنائي العجز والديون 

الأزمة الأخطر التي تواجه إسرائيل في العام 2024 هي زيادة العجز والديون معاً، أي أن الإنفاق الدفاعي يزداد، بينما لا يتم إجراء تعديل على جانب الإنفاق أو على جانب الدخل، وبالتالي يرتفع العجز بالميزانية مع ارتفاع الدين العام.

وعلى الرغم من أن الإنفاق العام في إسرائيل (بدون الفوائد) أقل بنسبة 3% من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ 49.7% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك عندما يتم استبعاد الإنفاق الدفاعي، فإن الإنفاق المدني في إسرائيل منخفض للغاية مقارنة بالمتوسط في الدول الغربية.

وهذا يعني أن إسرائيل ستضطر إلى خفض نفقات الصحة والتعليم والتأمين الاجتماعي والإغاثة والثقافة والإسكان والخدمات المجتمعية والنظام العام وحماية البيئة.

وتشير تقديرات موديز إلى أن العجز في إسرائيل سيبلغ 3% بنهاية العام الجاري، وسيتعمق العام المقبل إلى 7% في ظل نفقات الحرب وإعادة الإعمار المتوقعة والانخفاض المتوقع في إيرادات الدولة.

وأشارت "موديز" إلى أن التحديات الأخرى قد تؤثر على التصنيف الائتماني، بما في ذلك عدم المساواة في الدخل، والذي يعد واحدًا من أعلى المعدلات في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي يوجد مقرها في باريس.

وكان بنك إسرائيل قد أشار في تقريره في نوفمبر/ تشرين الثاني، إلى أن كبرى الأزمات التي يواجهها الاقتصاد الإسرائيلي هي المدة التي ستأخذها الحرب على غزة واحتمال توسعها. وحتى الآن، أدت هجمات الحوثي الصاروخية على السفن في البحر الأحمر إلى رفع كلَف التجارة الإسرائيلية وإمداداتها من آسيا.

ومن المتوقع أن تقود تداعيات هجمات الحوثي على السفن التجارية إلى عاملين رئيسيين يؤثران على الاقتصاد الإسرائيلي، وهما نقص المواد التموينية وارتفاع معدل التضخم في إسرائيل، وكذلك التأثير على الاقتصاد العالمي في الدول الغربية، خاصة في أوروبا.

ومن شأن الضغط التجاري على الشركات الأوروبية التي تعتمد على سلاسل الإمداد الآسيوية أن تضعف من شعبية قادة الدول الأوروبية الداعمين للحكومة الإسرائيلية وتدريجياً تتزايد الموجات الشعبية الغاضبة في الغرب من حرب غزة وبالتالي على الحكومة الإسرائيلية.

المساهمون