اتفقت مجموعة من القوى السياسيّة اللبنانيّة، ذات التوجّهات المتباينة، على تبنّي ترشيح جهاد أزعور لرئاسة الجمهوريّة، ليكون بذلك الطرح المضاد للمرشّح سليمان فرنجيّة، الذي يتبنّى ترشيحه حزب الله وحركة أمل.
ومن الواضح أنّ أزعور حظي حتّى اللحظة بأوسع التفاف حول اسمه داخل المجلس النيابي، مقارنة بسائر المرشّحين المحتملين السابقين والحاليين، ولو أنّ ذلك لا يكفي حتّى اللحظة لتجاوز عقبة اعتراض حزب الله وحركة أمل على اسمه.
وعلى هذا الأساس، من المرتقب أن يطول السجال حول الملف الرئاسي اللبناني، في ظل الفراغ المستمر بسدّة الرئاسة منذ نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي.
عملياً، لا يمكن فصل ترشيح أزعور بالتحديد لهذا المنصب عن تحديات الأزمة الماليّة. فاختياره جاء بناءً على خلفيّته الاقتصاديّة، وبوصفه خبيراً مالياً مخضرماً، حيث عمل بصفة استشاري مديراً لمشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في وزارة الماليّة اللبنانيّة بين عامي 1999 و2005، وشغل منصب وزير الماليّة في لبنان بين عامي 2005 و2008.
وفي الوقت الراهن، يعمل أزعور مديراً لإدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي.
بصورة أوضح، جاء اختيار أزعور مرشّحاً رئاسياً، بناءً على خلفيّته التكنوقراطيّة والتقنيّة، التي تتناسب مع حاجة البلاد لقيادة سياسيّة تتقن التعامل مع الملفّات الماليّة والنقديّة المتصلة بالانهيار.
وما تسرّب من المداولات مع أزعور، يوحي أساساً بأن الرجل لا يطمح إلى أخذ مواقف حاسمة في المسائل السياسيّة الخلافيّة المعروفة في لبنان. لا بل نقل عنه النوّاب أنّه لا يرغب أساساً في تكوين كتلة نيابيّة موالية له، ولن يطالب بتعيين حصّة خاصّة به من الوزراء داخل الحكومة.
وعلى هذا الأساس، يسوّق الرجل نفسه على أنّه رجل مهمَّة، سينحصر دوره بالتعامل مع الملف الاقتصادي فقط.
من هذه الزاوية بالتحديد، يمكن فهم تقاطع قوى حزبيّة وكتل نيابيّة متعارضة في السياسة، على ترشيحه، ما دام هذا الترشيح لا يصب في السياسة في خدمة أي طرف بشكل واضح.
ولهذا السبب أيضاً، تمكّنت هذه القوى، التي لا يجمعها سوى رفض ترشيح سليمان فرنجيّة، من تبنّي ترشيح أزعور، من دون أن يقدّم الرجل أي تعهدات أو برنامج سياسي متكامل بشكل علني.
مع الإشارة إلى أنّ موقع أزعور في صندوق النقد الدولي حال دون إبدائه أي تعليقات أو تصريحات علنيّة بخصوص الملف حتّى اللحظة، ما ترك التفاهمات حول ترشيحه أسيرة الغرف المغلقة.
المتفائلون بترشيح الرجل، يراهنون على شبكة علاقاته الدوليّة، ذات الطابع المالي والاقتصادي، والتي بناها بحكم عمله الإداري في صندوق النقد الدولي خلال السنوات الماضية، وقبلها في شركات استشاريّة معروفة مثل ماكينزي وبوز آند كومباني، بالإضافة إلى عمله في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي في بداية مسيرته المهنيّة في لبنان.
ويعوّل هؤلاء على ما يعتبرونه مصداقيّة يملكها أزعور في أسواق المال، وهي ما يحتاجه الطاقم السياسي بشدّة في الوقت الراهن، في ظل انعدام الثقة الدوليّة بالطبقة السياسيّة اللبنانيّة.
وفقدان الثقّة الدوليّة بالسياسيين اللبنانيين، عززه مرور أكثر من ثلاث سنوات وسبعة أشهر على حصول الانهيار المالي في لبنان، من دون أن تشرع البلاد حتّى الآن بتطبيق أي خطّة للتصحيح المالي والنقدي.
ورغم مرور سنة وشهر على توقيع التفاهم على مستوى الموظفين بين لبنان وصندوق النقد، لم ينفّذ لبنان حتّى الآن الغالبيّة الساحقة من الشروط المنصوص عليها في الاتفاق، لحسابات تتصل بمصالح ماليّة معروفة. وهذا ما يحول اليوم دون توقيع الاتفاق النهائي بين لبنان وصندوق النقد.
ولا يمكن فصل تفاؤل البعض بترشيح أزعور، عن التعويل على برنامج صندوق النقد الدولي. فكما هو معلوم، لا يملك لبنان حالياً الكثير من الخيارات بعيداً عن برنامج الصندوق التمويلي المنتظر، والمربوط بالشروط غير المنفّذة بعد.
وهنا، يراهن البعض على خبرة أزعور في العمل داخل صندوق النقد، للتمكّن من تقريب وجهات النظر بين إدارة الصندوق والدولة اللبنانيّة، وإيجاد المخارج المطلوبة لتذليل العراقيل التي تمنع انطلاق هذا البرنامج.
لكن في مقابل كل هذه الحجج المؤيّدة لترشيح أزعور لرئاسة الجمهوريّة، هناك مجموعة كبيرة من الهواجس التي عبّر عنها العديد من الاقتصاديين. فأزعور هو ابن التركيبة السياسيّة والاقتصاديّة المحليّة التقليديّة، منذ أن عمل على صياغة برنامج الإصلاح المالي داخل وزارة الماليّة اللبنانيّة، كاستشاري ضمن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وهو استكمل هذا الدور عندما تولّى منصب وزير الماليّة في مرحلة لاحقة، في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة.
وبهذا المعنى، أزعور أحد الذين أشرفوا على صياغة السياسات الماليّة في لبنان وتطبيقها، التي زرعت منذ زمن طويل الاختلالات البنيويّة، التي أدّت إلى الانهيار لاحقاً.
ولتأكيد هذه النقطة، يذكّر البعض بأن أزعور افتتح خلال تولّيه منصب وزير الماليّة زمن الإنفاق من دون أي موازنة، وهو ما جرى تطبيعه كممارسة على مرّ العقود اللاحقة، ما أدّى إلى تضخّم مستويات الإنفاق الحكومي من دون أي ضوابط أو قيود.
وخلال عمله وزيراً للماليّة، ارتبط اسم أزعور بتنظيم مؤتمر باريس 3، الذي أمّنت من خلاله الدولة اللبنانيّة رزمة وازنة من القروض الخارجيّة، مقابل وعود بإصلاحات لم تسعَ الحكومة أو وزارة الماليّة للقيام بها فعلاً.
مع الإشارة إلى أنّ أزعور عمل قبلها على مؤتمرين مماثلين، هما باريس 1 وباريس 2، لكن بصفة مستشار داخل الوزارة، قبل أن يتولّى منصب وزير الماليّة.
وعادة ما يرتبط هذا النوع من المؤتمرات في ذاكرة اللبنانيين بسياسات الاقتراض الخارجي وشراء الوقت، لتفادي تنفيذ التغييرات الهيكليّة في بنية النموذج الاقتصادي اللبناني.
وفوق كل ذلك، يُنسب إلى أزعور مجموعة من المشاريع التي ساهمت في صياغة النموذج الضريبي اللبناني كما نعرفه الآن، الذي يرتكز إلى حد كبير على تعزيز إيرادات الضرائب غير المباشرة، التي تطاول بثقلها الفئات الأكثر هشاشة، مقابل التخفيف من الرقابة على إيرادات الضرائب المباشرة التي تستهدف ربح الشركات ورجال الأعمال.
كذلك يُنسب إليه العمل على تمرير بعض القرارات التي تحابي أرباح ومصالح الشركات العقاريّة الكبرى، مثل شركة سوليدير لإعادة إعمار وسط بيروت.
كل ما سبق ذكره من هواجس، يعبّر عن خشية البعض من الإفراط بالتفاؤل بترشيح أزعور، بوصفه مرشحاً إنقاذياً يحمل مشروعاً إصلاحياً متكاملاً.
فعمل أزعور مع كبرى المؤسسات الدوليّة والشركات الاستشاريّة بعد مغادرته الحكومة اللبنانية، لا ينفي ارتباطه المحلّي السابق بالنهج الذي أدار الدولة على مرّ عقود من الزمن، والذي ساهم في وصول البلاد إلى الأزمة الراهنة.
وعلى هذا الأساس، يخشى كثيرون من أن يستعمل أزعور، في حال فوزه، علاقاته داخل صندوق النقد لتليين بعض شروط الصندوق الإصلاحيّة المفروضة على لبنان، التي يملك الشعب اللبناني المصلحة بتنفيذها كما هي، بدل أن يسعى لاستعمال خبرته وموقعه كرئيس لتنفيذ هذه الشروط محلياً.
ومن هذه الشروط غير المنفّذة مثلاً، كل ما يتصل بعمليّة التدقيق في ميزانيّات المصارف، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي على نحو عادل، بدل تحميل المجتمع اللبناني الخسائر التي يفترض أن تتحمّلها النخبة المصرفيّة.
أمّا المشكلة الأهم في ترشيح أزعور، فهي عدم تقدّم الرجل حتّى اللحظة بأي برنامج واضح أو رؤية لمعالجة الأزمة الاقتصاديّة، كذلك لم يقدّم أي تعهّدات واضحة يمكن على أساسها تقييم هذا الترشيح.
فرغم تسويقه كمرشّح يملك خلفيّة اقتصاديّة، لا يملك الرأي العام أي فكرة عن الأجندة التي سيخدمها أزعور على المستوى الاقتصادي.
مع الإشارة إلى أنّ منافس أزعور، سليمان فرنجيّة، لم يقدّم بدوره أي رؤية أو برنامج اقتصادي من هذا النوع، كذلك لا يملك أصلاً الخبرة المطلوبة للتعامل مع هذه الملفّات.
وهذا ما يحوّل السباق الرئاسي الراهن إلى مجموعة من المناورات المتبادلة، التي تجري على وقع مصالح وحسابات المحاور الدوليّة والإقليميّة، بعيداً عن أي نقاش جدي يتصل بهموم ومصالح اللبنانيين الملموسة.