أردوغان يتخذ إجراءات لحماية الودائع ووقف إنهيار الليرة التركية

22 ديسمبر 2021
محل صرافة في إسطنبول (Getty)
+ الخط -

أحدثت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مساء أول من أمس الاثنين، إنقلاباً في سوق الصرف الأجنبي، حيث ارتفع سعر صرف العملة التركية فجأة من 18 ليرة مقابل الدولار الأميركي لتتأرجح بين 13.5 و12.25 ليرة مقابل الدولار في صباح أمس الثلاثاء في خطوة كبرى أذهلت المضاربين في تركيا وخارجها الذين كانوا يراهنون على تواصل انهيار سعر الصرف الليرة الذي أصبح الصداع الأكبر للاقتصاد التركي خلال العام الجاري.

وكشفت وزارة الخزانة والمالية التركية، عن طبيعة الأداة المالية التي أعلن عنها أول أمس، أردوغان، والتي تتيح للمودعين تحقيق نفس مستوى الأرباح المحتملة للمدخرات بالعملات الأجنبية عبر إبقاء الأصول بالليرة التركية.
وأوضحت الوزارة في بيان، أمس الثلاثاء، أنه تم إطلاق آلية "وديعة الليرة التركية المحمية من تقلبات أسعار الصرف" والتي تضمن للمودع بالليرة عدم الوقوع ضحية للتقلبات في أسعار الصرف، والحصول على الفائدة المعلنة، يضاف إليها الفرق في سعر الدولار بين وقت الإيداع والسحب.
وأوضح أنه في نهاية تاريخ سحب الوديعة إذا كانت أرباح المودعين في المصارف بالليرة أكبر من زيادة سعر الصرف فإنهم سيحافظون على أرباحهم، أما في حال كانت أرباح سعر الصرف أكبر فعندئذ سيتم دفع الفرق للمواطن، مع إعفائه من الضرائب.
وذكر أنه يمكن فتح حسابات الوديعة بآجال 3 و6 و9 و12 شهرا، وتطبيق الحد الأدنى لمعدل الفائدة المعلن من قبل البنك المركزي التركي.
وأعلن وزير المالية التركي، نور الدين النبطي، أمس الثلاثاء، تفاصيل التدابير الاقتصادية الجديدة المتعلقة بالودائع بالليرة التركية، مؤكداً أن المصارف ستعلن السعر الحقيقي لليرة الساعة الحادية عشرة صباح كل يوم، وأنها ستبدأ بتنفيذ صفقات الأدوات المالية الجديدة فوراً.
ويعود لعامل سحوبات المواطنين لايداعاتهم المصرفية وتحويلها إلى دولارات أكبر الأثر في التدهور السريع في سعر صرف الليرة خلال الشهرين الماضيين.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مساء الإثنين، إن حكومته ستطلق أداة مالية جديدة تتيح تحقيق نفس مستوى الأرباح المحتملة للمدخرات بالعملات الأجنبية عبر إبقاء الأصول بالليرة. وحسب وكالة الأناضول، جاء ذلك مساء الإثنين في مؤتمر صحافي عقب ترؤسه اجتماعاً للحكومة في المجمع الرئاسي بأنقرة.

وأضاف أردوغان: "سنوفر بديلاً مالياً جديداً لمواطنينا الراغبين بتبديد مخاوفهم الناجمة عن ارتفاع أسعار الصرف". وتابع: "من الآن فصاعداً لن تبقى هناك حاجة لتحويل مواطنينا مدخراتهم من الليرة إلى العملات الأجنبية، خشية ارتفاع أسعار الصرف". وحول عمل الآلية الجديدة، أوضح الرئيس أردوغان أنه في حال كانت أرباح المودعين في المصارف بالليرة أكبر من زيادة سعر الصرف، فإنهم سيحافظون على أرباحهم، أما في حال كانت أرباح سعر الصرف أكبر فعندئذ سيتم دفع الفرق للمواطن.
وزف الرئيس التركي بشرى للمصدرين، الذين يواجهون صعوبة في التسعير بسبب تقلبات أسعار الصرف، حيث أوضح أنه سيتم تحديد سعر صرف طويل الأجل للشركات المصدرة عبر البنك المركزي بشكل مباشر، وفي حال حدوث فروقات سيتم دفعها بالليرة للشركات المعنية. كما لفت إلى أنه من المعلوم وجود نحو 5 آلاف طن من الذهب لدى المواطنين "تحت الوسائد" (يحتفظون بها في المنازل) تقدر قيمتها بـ 280 مليار دولار.
وبددت هذه الخطوات من مخاوف المستثمرين والمدخرين على تراجع القيمة الحقيقية لثرواتهم بسبب التراجع المتواصل في ثرواتهم ومن المتوقع أن تعمل على تقليل منسوب التحويلات من الليرة إلى العملات الأجنبية. وحتى الآن غيرت تصريحات أردوغان من حال العملة التركية التي خسرت ثقة المكتنزين والمدخرين، بعد أن اقتربت من 18 ليرة مقابل الدولار الواحد"17.8" لتخسر أكثر من 55% من قيمتها، خلال العام الجاري.

كانت أكبر الخطوات التي تضمنها خطاب أردوغان، هي تعويض المودعين بالليرة عن الخسائر التي يتكبدونها بسبب تراجع سعر الصرف.

ويذكر أن الليرة دخلت العام الجاري 2021 بسعر 7.4 ليرات للدولار الواحد. وكانت أكبر الخطوات التي تضمنها خطاب أردوغان، هي تعويض المودعين بالليرة عن الخسائر التي يتكبدونها بسبب تراجع سعر الصرف.
وأنعشت تصريحات أردوغان الليرة بأكثر من 25% ولم تزل تواصل التحسن في سلسلة بدأت ليل الاثنين، إذ تراجع سعر صرف الدولار إلى 15 ليرة ومن ثم إلى أقل من 14 ليرة، ليفتح السوق أمس الثلاثاء على انتعاش جديد للعملة التركية التي استمرت بالتعافي لتتذبذب بين 13.5 و12.5 ليرة مقابل العملة الأميركية.
في هذا الشأن قال الاقتصادي التركي، خليل أوزون، إن الحكومة التركية "حسمت قرارها" خلال الاجتماع، وأعلنت مواجهة المضاربين والتدخلات الخارجية"مع الاستمرار بسياسة الفائدة المنخفضة" ولكن هذه المرة لم تكن مثل سابقاتها، إذ أكد الرئيس أردوغان فور انتهاء الاجتماع أن تركيا لن تكون بعد الآن دولة تتعهد باقتصادها وسياستها للدول الأجنبية من خلال برامج صندوق النقد الدولي، مبدداً بحسب أوزون، ما قيل عن لجوء تركيا للاستدانة من المؤسسة الدولية لتعود لرهن قرارها كما كان قبل عام 2015 وقت سددت بلاده كامل الديون وتحولت إلى دولة دائنة للصندوق.
ويضيف أوزون أن تصريحات الرئيس "كانت حاسمة وواقعية ومدعمة بالإجراءات" فحين قال أن تركيا "ستقفز في الاقتصاد، فقد حان الوقت لاتخاذ الإجراء" رمى بعديد من قرارات الدعم للمستثمرين والمصدرين وحتى المدخرين بالمصارف بالليرة، بعد أن فاقت نسبة التضخم"21.3% وفاق سعر الفائدة الحالية 14%"، لكن الرئيس أكد على استخدام أدوات مالية ونقدية، تقي هؤلاء المدخرين أية خسائر. وبالمقابل، دعا الرئيس كل من لديه أموال ومعادن ثمينة، للاستثمار والإنتاج، لأن تركيا ستستخدم أدوات جديدة من أجل السيطرة على تقلبات أسعار الصرف، و لن يسمح باتخاذ أي خطوات من شأنها وقف الاستثمارات أو تقليص فرص العمل أو تقليص الإنتاج أو إعاقة الصادرات من تركيا.
وحسب الاقتصادي التركي، أوزون، اتبع الرئيس التركي والحكومة، حرب مواجهة المضاربين ولوبي الفائدة المرتفعة، وستستمر تركيا بتخفيض سعر الفائدة المصرفية". ويذكر أن الفائدة بالمصارف التركية من ضمن الأعلى بالعالم رغم التخفيض من 19 إلى 14% منذ مارس/ آذار الماضي". وقال إن سياسة الرئيس التركي الاقتصادية التي كانت منطلقاً للبرنامج الاقتصادي، تقوم على تخفيض سعر الفائدة الذي سيؤدي برأيه "بعد أشهر" إلى تخفيض التضخم، ولن تبقى تركيا ملاذاً لاستثمار الأموال بفائدة مرتفعة، ولن تكون البلاد" جنة للاستيراد" لأن رفع الصادرات إلى أكثر من 220 مليار دولار، أحد أهداف تركيا لهذا العام، لذا وجدنا التركيز على دعم الصادرات عبر تحديد سعر للصرف لأجل طويل".


ويركز البرنامج الاقتصادي التركي، فضلاً عن جذب الاستثمارات والسياح، وامتصاص فائض البطالة المقتربة من 13% وتشغيل 1.2 مليون عاطل العام المقبل، بالإضافة إلى رفض سياسة جذب الأموال الساخنة، التي ستؤدي إلى معدلات فائدة عالية، ودعم الإنتاج والصادرات لتصل إلى اقتصاد مرن ومقاوم أمام أي صدمات مالية.

ويرى مراقبون أن تصميم الرئيس التركي على تخفيض سعر الفائدة، من 19% في مارس العام الجاري، إلى 14% حاليا، هو السبب المباشر الأهم في تراجع سعر صرف الليرة، لأن نسبة التضخم النقدي تفوق سعر الفائدة، الأمر الذي أدى لخروج المدخرات من المصارف ما زاد من معروض الليرة التركية مصحوباً بزيادة الطلب على الدولار، بواقع مضاربات والحرب المصرفية على قرار استقلال تركيا الاقتصادي، حسب المسؤولين الأتراك.
وبدأ مصرف تركيا المركزي تحريك سعر الفائدة، كأداة نقدية لضبط المعروض النقدي بالسوق منذ العام الماضي، إذ خفض السعر في مايو/ أيار من العام الماضي من 11.25% وصولا إلى سعر 8.25%، ليبقى على هذا السعر حتى شهر سبتمبر/ أيلول ليرتفع من جديد إلى نسبة 10.25% ويستمر محافظ المركزي السابق، ناجي أقبال، برفع سعر الفائدة حتى 17% في الأشهر الأخيرة من 2020 ومن ثم إلى 19% في مارس من العام الجاري، ما دفع الرئيس التركي لعزله وتعيين شهاب قافجي أوغلو الذي قاد مشوار تخفيض الفائدة المستمر حتى اليوم.

المساهمون