أردوغان وأزمة الليرة التركية

14 أكتوبر 2021
أردوغان يواصل إقالة كبار مسؤولي البنك المركزي (Getty)
+ الخط -

لا أعرف ما إذا كان الرئيس رجب طيب أردوغان يدرك أنه بات أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار تهاوي الليرة التركية، ولا أعرف ما إذا كان مستشاره الاقتصادي قد نصحه بالتوقف عن الحديث عن سعرها والتدخل في إدارة البنك المركزي وسياسته النقدية، خاصة تلك المرتبطة باتخاذ قرارات سعر الفائدة والصرف واحتواء التضخم من عدمه.

ولا أعرف كذلك ما إذا كان هذا المستشار يضع بين يدي أردوغان الأسباب الحقيقية لاستمرار تهاوي الليرة، ومن أبرزها الإصرار على خفض سعر الفائدة رغم زيادة معدّلي التضخم والبطالة والضغوط الشديدة على العملة، أم أنه يضع أمامه أسبابا، وهمية كانت أم حقيقية، ومنها المؤامرة الكونية على العملة التركية، وعدم تنفيذ كبار مسؤولي البنك المركزي تعليمات مؤسسة الرئاسة، خاصة تلك المتعلقة بخفض الفائدة على الليرة، فضلا عن وجود "خلايا نائمة ورموز ثورة مضادة" داخل البنك المركزي.

الليرة تواصل تراجعها رغم رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد التركي خلال العام الجاري، من 5.8% إلى 9%

يوم الثلاثاء الماضي، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد التركي من 5.8% إلى 9% للعام الحالي.

وخبر كهذا كان كفيلا برفع قيمة الليرة مقابل الدولار، لا سيما أن الاقتصاد بات متماسكا أمام كورونا، حيث نما بمعدلات قياسية تصل إلى 21.7% في الربع الثاني من العام 2021، متعافيا بقوة من تباطؤ حاد حدث قبل عام بسبب القيود الشديدة التي فُرضت وقتئذ لمحاصرة الجائحة.

وسجل الاقتصاد نموا إيجابيا بلغت نسبته 1.8% العام الفائت، مسجلا واحدة من الحالات القليلة التي تجنبت الانكماش حول العالم في عام الجائحة.

كما شهدت الصادرات قفزات قوية خلال العام الجاري رغم قيود كورونا، محققة أعلى رقم في تاريخها، لتربح تركيا 161 مليار دولار من هذا النشاط وحده في الأشهر التسعة الأولى، وهناك توقعات بتجاوز الرقم 210 مليارات دولار بنهاية العام، وهو رقم كفيل بدعم سوق الصرف وقيمة العملة وسداد التزامات البلاد الخارجية، سواء لأغراض أعباء الديون أو تمويل الواردات.

أيضا، من الأرقام الداعمة لليرة زيادة احتياطي النقد الأجنبي إلى 122 مليار دولار، إضافة إلى زيادة مخزون الذهب، والاكتشافات البترولية الأخيرة، وتدفق الغاز الروسي على تركيا، وغير ذلك.

أرقام كتلك كانت كفيلة بتقوية قيمة الليرة مقابل الدولار، إلا أن تسريبات واكب الإعلان عن تلك النتائج ومفادها أن أردوغان غير راضٍ عن أداء محافظ البنك المركزي، فقد نقلت وكالة "رويترز" عن ثلاثة مصادر مطلعة قبل أيام قولها إن الرئيس التركي بدأ يفقد الثقة في المحافظ شهاب قافجي أوغلو.

اقالة أردوغان، اليوم، نائبين لمحافظ البنك المركزي وعضو بلجنة السياسة النقدية، بعد استمرار تراجع الليرة التي فقدت 19% خلال العام الجاري

صحيح أن فخر الدين ألتون، رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، سارع إلى نفي مثل هذه الأنباء، لكن التسريبات وغيرها كانت كفيلة بامتصاص أي آثار إيجابية لأرقام تحسّن الاقتصاد التركي على العملة، بل وإثارة الفوضى في سوق الصرف لأنها توجّه رسائل قوية تشي باستمرار سيطرة مؤسسة الرئاسة على البنك المركزي، وبالتالي فإن البنك ليس حرا في إدارة السياسة النقدية، وليس حرا كذلك في تحديد اتجاهات سعر الفائدة والصرف، وأن هذه السياسات مفروضة عليه من أعلى، وبالتالي فالبنك لا يراعي الأسس الفنية الصحيحة عند اتخاذ أي قرار يتعلق بمكافحة التضخم والبطالة وإدارة سوق الصرف.

وما زاد الطين بلة إقالة أردوغان، الخميس، نائبين لمحافظ البنك المركزي التركي وعضو في لجنة السياسة النقدية، بعد استمرار تراجع الليرة التي فقدت 19% من قيمتها هذا العام، وهو ما عمّق ما تردد عن تدخله في إدارة السياسة النقدية، خاصة أنه أقال ثلاثة محافظين في أقل من عامين، الأول كان مراد تيشتين قايا الذي تلاه مراد أويصال، وصولا إلى إقالة ناجي أغبال، في مارس/ آذار الماضي.

إن رسائل سلبية كتلك كفيلة بإجهاض تأثيرات أي نجاحات يحققها الاقتصاد التركي على سعر الليرة، ولذا لا نرى مردودا للقفزة المتواصلة في الصادرات وتعافي قطاع السياحة وجذب الاستثمارات الخارجية، لا على سوق الصرف المضطرب ولا على تحسن الليرة.

المساهمون