ومن هذا الكنز الذي تتم الاستعانة به وبرموزه من حين لآخر لمواجهة إخفاقات اقتصادية متلاحقة، أتوا بالوزير السابق ليقدم نصائحه بضرورة استكمال طريق الإصلاح الاقتصادي الذي بدأته الحكومة الحالية، " فالإصلاح مثل كورس المضاد الحيوي لو وقفت في النص يبقي معملتش حاجة"، كما قال يوسف بطرس غالي في حواره الليلة قبل الماضية مع قناة DMC.
والإصلاح الاقتصادي عند وزير المالية المتهم في قضايا فساد عديدة وسنوات سجن تجاوت الستين عاما يعني استمرار خنق المواطن الفقير والموظف متوسط الحال، فهو يطالب بالاستمرار في سياسة "خفض دعم البترول والكهرباء لاستكمال قرارات 4 نوفمبر القاضية بتعويم الجنيه وزيادة أسعار الوقود والسلع الأساسية وفرض مزيد من الضرائب".
وبدعاية ملحوظة و"برميوهات" كثيفة أحضرت القناة الفضائية المصرية أحد أركان نظام مبارك وأبرز وزير مالية في عهده للإشادة بعبقرية السيسي الاقتصادية الفذة، فالسيسي "أول قائد يخشّ (يدخل) على المشكلة بصدره دون خوف" كما قال غالي، ولذا يطالب المصريين الفقراء بمساعدته "ساعدوا الرئيس لأنه مستعد لمواجهة مشاكل الاقتصاد".
ومن لندن حيث يقيم وزير مالية مبارك منذ ثورة 25 يناير 2011 أخرجوه من مخبئه السري للإشادة بصندوق النقد الدولي وسياساته الخانقة للمصريين، وليؤكد لهم أنه لولا الصندوق ما أكلوا وما شربوا وما عاشوا، وما عادت الاستثمارات الأجنبية الهاربة، "فقرض الصندوق أدى لإقبال المستثمرين على شراء السندات المصرية، والذي لم يعرفه أحد أنه مهما قدمنا من سعر فائدة مرتفع على السندات لم نستطع بيعها لولا القرض".
هكذا كان يعظ وزير مالية مبارك وأقرب الشخصيات الاقتصادية لنجله جمال مبارك.
وعبر القناة المملوكة لجهة سيادية أثبت الوزير الفذ، كما أطلق عليه الإعلام المصري، أنه يلعب من وراء ستار، وأن له الكلمة العليا في في القرارات الاقتصادية الأخيرة التي أذلت ملايين المصريين، فهو صاحب أخطر قرار اقتصادي في تاريخ مصر وهو قرار تعويم الجنيه، كما أن النظام يستمع لنصائحه الاقتصادية، وهو ما يؤكد التصريحات التي أدلى بها سكرتير مبارك للمعلومات وأحد رموز النظام السابق مصطفى الفقي قبل أيام، والتي أكد فيها أن الحكومة تستعين بآراء يوسف بطرس غالي في الأزمات الاقتصادية التي تواجهها، وأن غالي هو من اقترح على الحكومة تعويم الجنيه.يوسف بطرس صال وجال في حواره مع قناة Dmc متحدثا عن عبقرية صانع القرار الاقتصادي في مصر وأهمية القرارات الأخيرة في علاج عجز الموازنة وإصلاح حال الاقتصاد، ولم ينس أن يذكرنا بأن "المصريين الذين كانوا يهاجمونني في السابق أصبحوا يرحّبون بي، ولا أعرف السبب".
ومع هذه الزفة نسي الجميع أن يوسف بطرس لا تزال تتهمه الجهات الرقابية والقضائية في مصر في عدة قضايا منها إهدار المال العام والفساد المالي والتربح من وظيفته، فقد كشف تقرير قضائي صادر عن رئيس هيئة النيابة الإدارية في شهر أبريل/نيسان 2015 عن أكبر قضية فساد مالي وإداري داخل الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي، تورط فيها أحمد نظيف، رئيس الوزراء الأسبق، ويوسف بطرس غالي، حيث تلاعبا بمليارات الجنيهات من أموال الموازنة العامة، وأهدرا الملايين من أموال الأرامل واليتامى.
السؤال هنا: هل يمكن أن تخفف نصائح وزير مالية مبارك من وطأة الأزمة الاقتصادية وقسوة الأحوال المعيشية التي يعيشها المواطن كل لحظة؟ وهل يمكن أن تسهم هذه النصائح وقبلها نصائح صندوق النقد الدولي في إعادة الاستثمارات الأجنبية الهاربة وخفض معدلات الفقر والتضخم والفساد، أم تصبح تلك النصائح مقدمة لثورة جديدة أدعو الله الا تكون ثورة جياع.