يتسارع انتشار "تجارة الأرصفة" في الشوارع الليبية، حيث تحولت الميادين إلى أماكن لبيع البضائع والملابس والخضروات والفواكه والمأكولات الشعبية في العاصمة طرابلس وسط تزايد البطالة وتدهور الوضع الاقتصادي مع إقفال الحقول النفطية، وانتشار الغلاء في الأسعار، وتدهور القوة الشرائية للدينار.
ومن أمام جزيرة سوق الثلاثاء في طرابلس، يشرح البائع عبد العظيم الحسناوي لـ"العربي الجديد" أنه يقوم ببيع التمور في النهار وفي الليل يبيع الشاي في طريق الشط، مؤكداً أنّ الظروف المعيشية أصبحت تخنق المواطن، إذ إنّ الراتب لا يكفي أسبوعاً لتوفير نفقات أسرة مكونة من ثلاثة أشخاص.
ويقول عياد بن ناجي وهو بائع متجول لبيع أرغفة الخبز، إنّه يعمل موظفاً حكومياً براتب شهري لا يتعدى 780 ديناراً (الدولار= 4.79 دنانير) وهو مبلغ لا يكفي لسداد قيمة الإيجار بقيمة ألف دينار، مضيفاً أن بيع الخبز في الطرقات والميادين وأحياناً بيع لترات من حليب الأبقار يساعده في توفير مستلزمات أسرته، خصوصاً بعد ارتفاع الأسعار. ويلجأ الشاب وسام الخويلدي إلى نصب خيمة في شارع في منطقة سوق الجمعة لبيع الملابس.
ويلفت لـ"العربي الجديد" إلى أنه خريج كلية العلوم قسم الجيولوجيا، لكنّه لم يستطع الحصول على فرصة عمل منذ عام 2015 ولذلك يعمل بائعاً على الرصيف أو في الأسواق الأسبوعية لغرض توفير مصروفه اليومي. ويعرب أستاذ الاقتصاد في جامعة غريان، عبد الحكيم عامر غيث، عن أن انخفاض دخل الفرد من ضمن أحد أسباب نمو الاقتصاد السفلي خارج سيطرة الدولة.
ويشرح لـ "العربي الجديد" أن ظاهرة العمل التجاري من دون تراخيص إحدى سمات الاقتصاد الليبي حالياً، موضحا أن سبب ذلك يرجع إلى جمود مداخيل الأفراد التي لم تشهد أي تغيير على الرغم من وعود الحكومة برفع سقف الرواتب بموازاة صعود التضخم. ويلفت غيث إلى أن المواطن يبحث عن لقمة العيش لتحسين وضعه المعيشي مع انخفاض دخله الحقيقي بنسبة 71 في المائة نتيجة تغيير سعر الصرف.
ويفسر المحلل الاقتصادي حسين البوعيشي انتشار تجارة الأرصفة بغياب دور الدولة في توفير الاستثمارات اللازمة للتنمية الاقتصادية خلال السنوات العشر الماضية. ويقول لـ "العربي الجديد" إنه مع ندرة السلع نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا والغلاء في أسواق السلع، لجأ المواطن إلى نشاطات تجارية موازية لغرض توفير مصروف يومي للأسرة مع ارتفاع معدلات الفقر في ليبيا.
ويشدد على سيطرة الاقتصاد غير الرسمي على 90 في المائة من الاقتصاد الليبي، موضحا أن المواطن يبحث عن عمل آخر لزيادة دخله، وسط تصاعد التضخم، خصوصاً مع وصول سعر قنطار الدقيق إلى ما يعادل 62 في المائة من قيمة الحد الأدنى للأجور.
وتزايد اقتصاد الظل منذ منتصف التسعينيات ثم تفاقم عقب اندلاع الثورة في 2011. ويتمثل اقتصاد الظل في ظهور أسواق موازية للسوق الرسمي، ومن ذلك المحال التجارية المخالفة وغير المرخصة التي لا تدفع ضرائب ولا فواتير الكهرباء، والباعة المتجولين في الأسواق الشعبية، وسيارات الأجرة غير المرخصة، والمزارعين الذين يقومون بإنتاج السلع في مزارعهم الخاصة، بالإضافة إلى الصيد الجائر وتهريب المحروقات.