يعاني سوق العمل وقطاعات التشغيل في اليمن من ضعف وهشاشة، في ظل الظروف الصعبة والاضطرابات السياسية والأمنية والحرب التي لم تتوقف منذ نحو ست سنوات متواصلة.
وأصبح الشباب الذين يشكلون النسبة الكبرى من السكان في اليمن فريسة لأطراف الصراع التي تعمل على استقطاب العاطلين عن العمل منهم أو إخراجهم من المؤسسات التعليمية وسوق العمل من أجل الزج بهم في جبهات المواجهات العسكرية وأتون الحرب.
ويرى مراقبون أن مشكلة اليمن منذ سنوات هي تنموية واقتصادية بالدرجة الأولى، إلى جانب انتشار الفقر والبطالة، وكان بالإمكان تلافي كل هذه الفوضى التي أحدثتها الحرب بتسخير كل هذه المليارات من الدولارات الموجهة للمجهود الحربي لدعم الاقتصاد اليمني ومشاريع التنمية ومكافحة الفقر وتوفير فرص عمل لمئات الألاف من الشباب بدلاً من استقطابهم من قبل مختلف أطراف الحرب وتجنيدهم كمقاتلين.
ويعاني اليمن من تفاقم الفقر الذي ارتفع من 55% عام 2014 إلى 70% في 2019، إذ يعيش حسب الأمم المتحدة 17 مليون يمني على وجبة واحدة في اليوم، وضاعفت الحرب أعداد البطالة في البلاد حيث وجد نحو 5 ملايين يمني أنفسهم على رصيف البطالة عقب اندلاع الحرب.
سقوط الشباب في جبهات الحرب
يستمر سقوط شباب بعمر الزهور في جبهات الحرب رغم تراجع وتيرتها مؤخراً، لكنها شكلت ثقباً أسود التهم آلاف اليمنيين ممن دفعهم الجوع والفقر والبطالة إلى جبهات القتال التي شكلت لهم ملاذاً اضطرارياً للهروب من جحيم البطالة ومتطلبات الحياة المعيشية.
ويرى أستاذ الخدمة الاجتماعية في جامعة صنعاء، جمال الحزمي أن العامل اليمني تأثر كثيراً من الحرب الدائرة في البلاد، ما دفع كثيراً منهم للتحول إلى مقاتلين مع أحد الأطراف في ظل انعدام الأعمال في الظروف الراهنة.
ويضيف لـ"العربي الجديد" أن تضخم هذه الكتلة السكانية وتعدد مشاكلها وأزماتها يتطلبان حلولاً عاجلة في دعم مشاريع كثيفة العمالة والاهتمام بتوسيع مؤسسات الإقراض التي تمنح الفرص أمام الشباب في اليمن لإقامة مشاريعهم وأعمالهم الخاصة التي تمنحهم دفعة قوية، وبالتالي قطع الطريق أمام أطراف الصراع لاستقطابهم واستغلالهم في إطالة أمد الحرب في البلاد.
وتشير آخر بيانات إحصائية أجريت قبل الحرب إلى أن نسبة الشباب القابعين خارج نظام التعليم والتدريب وخارج سوق العمل تصل إلى 44.8%.
وترجح بيانات تقديرية أن تكون الحرب في اليمن منذ ست سنوات قد ساهمت في رفع هذه النسبة إلى ما يقارب 78%. ويرجع سبب ذلك إلى فشل أنظمة التعليم في تهيئة وإعداد اليافعين والشباب لسوق العمل، بالإضافة إلى ضعف معدلات النمو والتنمية الاقتصادية المتحققة خلال الأعوام السابقة.
خريطة سوق العمل
وفق قاعدة بيانات سوق العمل في اليمن، فإن النسبة الكبرى من المشتغلين في البلاد من فئة الشباب على وجه التحديد هم من الموظفين لدى الغير وبنسبة 50% من إجمالي العاملين من نفس الفئة، فيما يعمل نحو 27% منهم في الإطار المحلي الأسري، أي أنها عمالة غير منتظمة وتتركز معظمها في القطاع الزراعي.
وتصل نسبة العاملين لحسابهم الخاص وأغلبهم في القطاع غير الرسمي إلى نحو 20%، بينما لا تتجاوز نسبة أرباب العمل من فئة الشباب 3% من مجموع العاملين الشباب.
الخبير في مجال أنظمة العمل، نبيل الحسني، يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن الحرب أضرت كثيراً بقطاعات التنمية في اليمن، وتوسيع الفجوة بين مخرجات التعليم وسوق العمل الذي يشهد تطورات متلاحقة بينما الوضع في البلاد يراوح مكانه منذ سنوات، إضافة إلى تسبب الصراع الدائر في تدهور التعليم وحرمان هذه الفئات السكانية من تعليمها وبناء قدراتها وإمكاناتها في مختلف تخصصات الأعمال والمهن.
ويبين تحليل توزيع الشباب على القطاعات الاقتصادية المختلفة، تركز معظمهم في قطاع الخدمات وبنسبة تقترب من 50% من إجمالي المشتغلين، يليهم العاملون في القطاع الزراعي بنسبة 35%، ثم العاملون في الصناعة وقطاعي البناء والإدارة العامة.
وتفسر تقارير وخبراء اقتصاد ومختصون في أنظمة سوق العمل في اليمن أن ارتفاع عمالة الشباب في قطاعي الخدمات العامة والزراعة يعكس تدني مستوى المهارات والتأهيل للشباب كونها من القطاعات التقليدية التي لا تتطلّب مهارات أو خبرات واختصاصات نوعية.
وعلى الرغم من التطور الكبير في أنظمة التعليم المختلفة وارتفاع عدد الملتحقين بالمؤسسات التعليمية وتزايد عدد الخريجين خلال السنوات الماضية، لكنها لم تنعكس على سوق العمل نظراً لتوسع الفجوة بينها ومخرجات التعليم، إذ تظهر البيانات الرسمية أن ما نسبته 70% من المشتغلين هم من الشباب الأميين أو الحاصلين على الشهادات التعليمية الأساسية فقط، ونحو 28% ممن لديهم مؤهل ثانوية عامة وحوالي 2% من ذوي المؤهلات الجامعية والعليا.
وتمثل هذه الحالة أحد الاختلالات التي يعاني منها عرض العمل والمتمثل في تدني وضعف مستوى تأهيل قوة العمل، الأمر الذي يجبر الشباب إلى التوجه نحو القطاعات غير الرسمية وبنسبة كبيرة تتجاوز 80% من إجمالي العاملين في القطاعات الاقتصادية اليمنية.
تفاقم البطالة
تسببت الحرب في فقدان الأعمال وانخفاض فرص التوظيف، وبالتالي ارتفاع نسبة البطالة في الاقتصاد اليمني إلى مستويات قياسية بنحو 32% من إجمالي القوة العاملة، وفق بيانات رسمية، مقارنة بحوالي 14% في آخر عام قبل الحرب، وهناك تقديرات أكبر لنسب البطالة حالياً حسب تقارير دولية.
تسببت الحرب في فقدان الأعمال وانخفاض فرص التوظيف، وبالتالي ارتفاع نسبة البطالة في الاقتصاد اليمني إلى مستويات قياسية بنحو 32% من إجمالي القوة العاملة
وللحد من هذا الانهيار وتوسع نسب البطالة، يرى الباحث الاقتصادي، ياسين القاضي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الأمر يتطلب إعادة تمكين اليمنيين اقتصادياً وإتاحة الفرص أمام الشباب التي تساعدهم على التكيف مع الظروف الاقتصادية والمعيشية القاهرة الحالية، إضافة إلى وضع الخطط اللازمة التي تتيح أمامهم الموارد الاقتصادية وإدارة مشاريع إنتاجية مدرة للدخل تمكنهم من الحصول على سبل العيش المستدامة بالأخص تلك المتعلقة بفرص الوصول إلى الاقتصاد الرسمي، وذلك للحد من التوسع المفرط للاقتصاد غير الرسمي الهش والضعيف.
ويشير تقرير اقتصادي صادر عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي في اليمن اطلعت عليه "العربي الجديد" إلى تزايد التحديدات التي تواجه اليمنيين، بالأخص فئة الشباب، سواء تلك المرتبطة بالتحديات الهيكلية والمزمنة، أو تلك المرتبطة بتطورات الوضع الأمني والسياسي غير المستقر والمتشبع بالتوترات والمخاطر بما فيها تحديات العنف المسلح وضحايا الصراع ونزوح الملايين من ديارهم وفقدان الممتلكات وانقطاع الرواتب وتراجع الخدمات الأساسية.
وتسببت مختلف هذه التحديات والأزمات والمخاطر في هشاشة الأوضاع العامة في المجتمع ودفع بالكثير من اليافعين والشباب إلى ترك مدارسهم وجامعاتهم أو مواقع أعمالهم، ودفعت بنسبة منهم إلى دائرة الحرب والانخراط في المواجهات العسكرية، إضافة إلى القيام بأعمال متعبة ومجهدة لا تتناسب مع قدرات أو طاقات هذه الفئات.