"أوبك+" ... الرياض وموسكو في مواجهة واشنطن

07 أكتوبر 2022
قرر التحالف تخفيض الإنتاج مليوني برميل يومياً الشهر القادم (فرانس برس)
+ الخط -

حدث ما لم يتوقعه الكثيرون ممن يتابعون سوق النفط العالمي، وقرر تحالف "أوبك+" الذي تقوده السعودية وروسيا خفض الإنتاج النفطي بمعدل قياسي يبلغ مليوني برميل يومياً، بهدف المحافظة على أسعار النفط عند مستويات مرتفعة وعدم انزلاقها وتدحرجها في حالة إصابة الاقتصاد العالمي بحالة من الكساد، وربما الركود التضخمي، وخاصة الاقتصادين الأميركي والصيني، أكبر اقتصادين في العالم، وهو القرار الذي استفز الإدارة الأميركية أحد أبرز المتضررين من خطوة التحالف النفطي الصادمة للأسواق.

توقيت القرار صعب وحساس للأسواق العالمية، وخاصة للدول المستوردة للطاقة، إذ إنه يأتي مواكبا لقرار أوروبا حظر واردات النفط والغاز الطبيعي من روسيا المخطط له قبل نهاية العام، في إطار عقوبات غربية مشددة تستهدف خنق الاقتصاد الروسي، وهو ما يعمق أزمة نقص المعروض من الخام الأسود في الأسواق، وبالتالي حدوث زيادة في سعره كما حدث عقب اشتعال حرب أوكرانيا في فبراير الماضي، أو في 2008 عندما اندلعت الأزمة المالية العالمية.

وفي حال حدوث قفزة في الأسعار، وفق أحدث التوقعات، ستكون التداعيات خطيرة على الاقتصادات العالمية، إذ إنه يغذي أزمات التضخم والطاقة وسلاسل الإمدادات، ويضغط مالياً وبشدة على المستوردين، ويرفع كلفة الشحن البحري.

توقيت القرار صعب وحساس للأسواق العالمية، وخاصة للدول المستوردة للطاقة، إذ إنه يأتي مواكبا لقرار أوروبا حظر واردات النفط والغاز الطبيعي من روسيا

قرار تحالف "أوبك+" له بالطبع تأثيرات إيجابية في الدول النفطية، إذ يضمن لها تدفق مليارات الدولارات الإضافية على خزانتها العامة، وزيادة احتياطياتها من النقد الأجنبي وموارد صناديقها السيادية، إذ قدر صندوق النقد الدولي في وقت سابق حجم الأموال الإضافية التي ستتدفق على موازنات دول الخليج المنتجة لنحو 20% من إنتاج النفط العالمي بنحو 1.3 تريليون دولار خلال فترة لا تتجاوز 4 سنوات، أي من الآن وحتى عام 2016.

ومن المتوقع زيادة رقم الفوائض المالية لدول الخليج مع التخفيض الضخم في الإنتاج النفطي بداية من الشهر المقبل والذي سيؤثر سلباً بزيادة المعروض من الأسواق، وخاصة مع توقعات بنوك استثمار عالمية كبرى مثل "غولدمان ساكس" الأميركي زيادة سعر البرميل إلى 110 دولارات، وربما أكثر من ذلك في حال زيادة الطلب على منتجات الطاقة من قبل الاقتصادات المختلفة.

تمتد تلك الآثار الإيجابية إلى دول عربية أخرى منتجة للنفط، منها العراق وليبيا والجزائر، كما تمتد لدول نفطية أخرى من خارج المنطقة في مقدمتها روسيا الذي لا يزال النفط والغاز يوفران لها الجزء الأكبر من كلفة تمويل العملية العسكرية في أوكرانيا.

لكن في المقابل، فإن لقرار "أوبك+" بخفض الإنتاج النفطي مليوني برميل يوميا تأثيرات سلبية في الدول المستوردة للطاقة، وفي مقدمتها مصر وتونس والمغرب والأردن واليمن والسودان وسورية من دول المنطقة.

أما في خارج دول المنطقة، فالمتأثرون سلبا كثر، في مقدمتهم تركيا والاتحاد الأوروبي والصين والهند وغيرها من الاقتصادات ذات الاستهلاك العالي للطاقة.

من المتوقع زيادة رقم الفوائض المالية لدول الخليج مع التخفيض الضخم في الإنتاج النفطي بداية من الشهر المقبل

فزيادة سعر النفط ستضغط بقوة على تلك الاقتصادات خاصة مع زيادة كلفة الاقتراض الخارجي وسعر الفائدة على الدولار، وسيدفع بعضها نحو زيادة أسعار الوقود من بنزين وسولار ومازوت، وهو ما قد يثير اضطرابات اجتماعية وشعبية في بعض تلك الدول كما حدث في أوروبا، في ظل استمرار أزمات الطاقة والتضخم وتعطل سلاسل الإمدادات وارتفاع درجة الحرارة والأعاصير والجفاف وغيرها.

قرار تحالف "أوبك+" لا تقتصر تأثيراته السلبية على الدول المستوردة للطاقة، بل ستكون له تداعيات وفاتورة سياسية أيضا، منها مثلاً ربما التأثير بتوجهات الناخب الأميركي في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس المقررة الشهر المقبل، خاصة وأن بدء تنفيذ قرار خفض الغنتاج النفطي يأتي قبل أسبوع واحد من الانتخابات التشريعية.

فهذا الناخب يعاني حالياً وبشدة بسبب قفزة معدل التضخم لما يقرب من 10%، وهو الأعلى منذ أكثر من 40 سنة، ومن المتوقع زيادة المعاناة مع ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وخاصة البنزين والغاز، في حال حظر الغرب النفط الروسي وخفض الإنتاج بداية من نوفمبر.

وهذا ما يفسر ضغط بايدن على منظمة أوبك لزيادة الإنتاج النفطي بهدف خفض أسعار الوقود قبل اجتماعها في فيينا مساء يوم الأربعاء، وإبداء قلقه وامتعاضه من قرار خفض الإنتاج مليوني برميل عقب صدوره.

بل إن الإدارة الاميركية باتت تؤكد عقب صدور قرار أوبك+ أن الرياض تقف في خندق واحد مع موسكو في قرار خفض الإنتاج النفطي بهذه الكميات الكبيرة.

المساهمون