"أسواق الرحمة" ملاذ الجزائريين من نيران الغلاء في رمضان
تشهد "أسواق الغلابة" أو ما يعرف في الجزائر بـ"أسواق الرحمة" إقبالا كبيرا من طرف المواطنين، الذين دفعتهم نيران الغلاء إلى هذه الفضاءات بحثا عن المواد الغذائية واسعة الاستهلاك التي تعرض فيها بأسعار منخفضة مقارنة بالأسواق الحرة.
فيما يرى ممثلو التجار، وحتى المستهلكون، أن هذه المبادرات تبقى استثناء "رمضانياً" ينتهي مفعوله بنهاية الشهر الكريم.
وتعد "أسواق الرحمة" من بين الإجراءات التي تتخذها وزارة التجارة الجزائرية مع حلول رمضان من كل سنة، والتي تهدف من خلالها إلى توفير مختلف المواد الاستهلاكية المنتجة محليا بكمية كبيرة، وبأسعار تنافسية، لمواجهة ارتفاع الأسعار وكبح المضاربة التي تشهدها مختلف الأسواق في شهر الصيام من كل عام.
وتتميز هذه الأسواق بميزتين أساسيتين حسب مسؤول تنظيم الأسواق التجارية والنشاطات المرخصة بوزارة التجارة خوجة تواتي: "الميزة الأولى هي غياب الوسطاء، أي أن السلع يعرضها المُنتِج أو المُصنِع أو المزارع مباشرة على المستهلك، وبالتالي تُختزل السلسلة في حلقتين فقط ما يساعد على التحكم في الأسعار".
وأضاف: "أما الميزة الثانية فهي تسقيف هوامش الربح التي لا تتعدى في أقصى الأحوال 10 بالمائة، وذلك بمراقبة الفواتير القبلية والبعدية، ويجرى احتساب هامش الربح على أساس السعر الذي يخرج به المُنتَج من المصنع أو المزرعة من دون احتساب الرسم على القيمة المضافة الذي يدفعه المستهلك بالطبع."
وتابع نفس المتحدث، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن "وزارة التجارة رخصت لفتح 78 سوق رحمة، تستفيد من العرض فيها كل شركة جزائرية أو أجنبية ناشطة في الجزائر، كما يمكن للحرفيين والتجار الأحرار عرض سلعهم شرط أن يكون عليها وسم (صنع في الجزائر)، ولا يدفع العارضون أي مصاريف أثناء إقامة الأسواق التي تغلق أبوابها في اليوم الأخير من شهر رمضان".
وخلال زيارة ميدانية قادت "العربي الجديد" إلى أكبر "سوق رحمة" في البلاد، وهي السوق الكائنة بمقر الاتحاد العام للعمال الجزائريين (أكبر تكتل نقابي في الجزائر) بساحة "أول مايو" وسط العاصمة، التي تعرف إقبالا كبيرا من طرف "العاصميين"، الذين انقسموا بين راضٍ ومؤيد للسوق وبين منتقدٍ للخيارات المحدودة التي يلقاها المستهلك.
وحسب الأسعار المعلن عنها، فإن الفرق بينها وبين الأسعار خارج أسواق الرحمة يبلغ ما بين 10 دنانير و200 دينار، كما هو الحال بالنسبة لزيت المائدة الذي بلغ سعر الوحدة الواحدة ذات سعة 5 ليترات 550 ديناراً (3.79 دولارات) مقابل 750 ديناراً (4.82 دولارات) في الأسواق التجارية الأخرى.
يقول المتقاعد عبد الله بوذراع لـ"العربي الجديد" إنه "اعتاد القدوم إلى سوق الرحمة في ساحة (أول مايو) منذ بداية رمضان، وذلك بالنظر للأسعار المنخفضة نوعا ما مقارنة بأسعار الأسواق الأخرى، حيث يوفر بين 10 و50 ديناراً (الدولار = نحو 144 ديناراً)، وأحيانا أكثر في المنتج الواحد، ما يسمح بتوفير الآلاف من الدنانير عند نهاية الشهر".
واستشهد نفس المتحدث بأسعار "الزيت التي يوفر فيها 200 دينار في الوحدة الواحدة التي تكفي عائلته مدة 10 أيام، وبالتالي عند شراء 3 وحدات، فإنه يوفر قرابة 600 دينار يشتري بها شيئا آخر".
كما قال نفس المتحدث إن "أسعار الخضر والفواكه منخفضة بقدرٍ قليل مقارنة مع تجار الأرصفة، وأسعار الأجبان (واسعة الاستهلاك في الشهر الكريم) تعرض بسعر المصنع وهو أمر ايجابي."
وبالرغم من الأسعار المنخفضة والتي يصعب نكرانها حسب عون أمن في شركة خاصة ربيع بوشعير، إلا أن النقطة السوداء التي يشتكي منها وغيره من مرتادي السوق هي محدودية الخيارات، حيث يقول ربيع لـ"العربي الجديد" إن "تعدد الخيارات ليس مطروحاً بالنسبة للخضر والفواكه واللحوم، لكن بالنسبة للمواد الغذائية، نجد أن الخيارات محدودة كما هو الشأن للأجبان حيث نجد نوعين فقط، و3 أنواع للعصائر والمشروبات الغازية ونوعاً واحداً لطماطم المصبرة (صلصة الطماطم) ربما لا تفضلها كل العائلات الجزائرية ".
وحول هذه النقطة، يقول رئيس الجمعية الجزائرية للتجار والحرفيين، الحاج طاهر بلنوار، إن "محدودية العرض من حيث النوع وليس الكم تتحمله الحكومة التي لم تروج كما يجب لأسواق الرحمة، إذ بلغنا أن الكثير من المصنعين وحتى المزارعين لم تتصل بهم المديريات الجهوية للتجارة من أجل الترويج للأسواق ".
وأضاف نفس المتحدث أن "أسواق الزوالية (الغلابة باللهجة الجزائرية) وإن كانت من حيث المبدأ شيئا إيجابيا تجب الإشادة به، إلا أننا نطالب بتعميم هذا الإجراء ليشمل كافة أيام السنة حتى نكبح المضاربة، كما يجب فتح أسواق أخرى.
وتابع: إذا تكلمنا عن 78 سوقاً لتغطية أكثر من مليوني كيلومتر مربع (مساحة الجزائر) بمعدل سوق لكل محافظة من محافظات الجزائر الـ58، فهو رقم ضئيل للغاية تجب مضاعفته على الأقل كمرحلة أولى، حتى نحقق مبدأ تكافؤ الفرص أمام العارضين والمستهلكين."
يقول رئيس الجمعية الجزائرية للتجار والحرفيين، الحاج طاهر بلنوار، إن "محدودية العرض من حيث النوع وليس الكم تتحمله الحكومة"
وعلى نفس الطريق، سارت الفيدرالية الجزائرية لحماية المستهلك التي رحبت بأسواق الرحمة بالرغم من إيمانها بأن كبح المضاربة وغلاء الأسعار ليسا قضية ظرفية مرتبطة بالزمان والمكان.
وإلى ذلك، قال رئيس الفدرالية حريز زكي لـ"العربي الجديد" إن "حماية القدرة الاستهلاكية للمواطن ليست غاية محددة بالزمان أي خلال الشهر الفضيل، بل هي الغاية الأولى لأي حكومة في العالم على مدار أيام السنة وعلى طول سنين".
وأضاف نفس المتحدث أن "أسواق الرحمة وإن كانت متنفسا للمستهلكين وحتى للعارضين من أجل الترويج للمنتج الجزائري، إلا أنها حقٌ أريد به باطل، أي ترويج أن الحكومة تسهر على حماية جيوب المواطنين خلال شهر رمضان، والأولى أن تحمي الجيوب من خلال القضاء على المضاربة والاحتكار."