ماذا بقي من جبران خليل جبران اليوم؟ سؤال يحيلنا إلى تلك اللحظة التاريخية التي تجاوز فيها الكاتب اللبناني (1883 – 1931)، قوالب عصره بزخرفها وأساليبها البلاغية وبناها اللغوية نحو رومانسية تتحرّر في موضوعاتها من كثير من القيود.
تلك الحركة التي انجذب إليها إنسان ما بعد الثورة الصناعية في الغرب حالماً بالعودة إلى الطبيعة، ثم إنسان المشرق العربي التواق إلى النهضة والحرية آنذاك، ما يعكس انتشار صاحب "النبي" في الثقافتين الغربية والعربية على حد السواء، كما يوثّقه موقعه الإلكتروني (www.kahlilgibran.com).
"مجموعة خليل جبران: الفنان، الشاعر، الإنسان"، عنوان الموقع الذي يتضمّن على صفحته الرئيسية عدداً من المقالات، مثل "خليل جبران وفارس معلوف: قصة مشروع فاشل (1924 – 1925)"، وتتحدث عن صداقة جبران مع المحامي والسياسي اللبناني (1892 – 1958)، في مدينة بوسطن الأميركية، والبناية التي اشتركا في ملكيتها وتسبّبت لهما بأزمات مالية متلاحقة.
أما مقالة "شنغهاي: نبي جبران بالصينية (1931)"، فتعود إلى عام 1923 حين نُشرت أولى القصائد المترجمة لصاحب "الأرواح المتمردة" على صفحات بعض الجرائد الأسبوعية في بكين التي نقلها ماو دان، ويتتبّع كاتبها الترجمات التي تلاحقت بعد ذلك خلال العشرينيات حيث صدر "المجنون" في نصوص متفرّقة قبل أن تُجمع كاملة في كتاب، ليكون "النبي" ثاني كتبه المترجمة التي لاقت رواجاً، خاصة بين صفوف الطلبة والشباب.
يلفت الموقع إلى مكانة جبران في الثقافتين العربية والغربية
وفي مقالة "جبران والأرمن"، يمكن التعرّف إلى تفاصيل الحملة التي اشترك فيها الكاتب أثناء نشاطه في حملة الإغاثة السورية في نيويورك، من خلال جمع الأموال والطعام والأدوية وإرسالها إلى أرمينيا والجالية الأرمينية في لبنان عام 1916. وتتناول مقالة "جبران في الفيلولوجيا: العثور على رسالة جديدة غير منشورة" إحدى رسائل صاحب "عرائس المروج" التي بعث بها إلى شخص مجهول بين عاميْ 1925 و1930، يقول فيها: "على الرغم من أنني لست لغوياً، إلا أن فقه اللغة كان ولا يزال أحد أهم الموضوعات بالنسبة إليّ".
ويشتمل باب "الإنسان والشاعر" على مقدّمةٍ كَتبها أستاذ الأدب واللغة سهيل بشروئي، المتخصّص في كتابات جبران، الذي يتحدّث عن شهرة الكاتب اللبناني الواسعة خلال حياته القصيرة نسبياً لكنها شهرة تضاهي ما وصل إليه بليك وطاغور ونيتشه، بحسب رأيه، وأن جبران مثّل نموذجاً على تصالح الشرق والغرب، حيث كان يعتقد بأنهما ينبعان من معين واحد، وكان ذلك اعتقاده أيضاً بخصوص المسيحية والإسلام.
يضمّ باب "الأرشيف الرقمي" نسخاً رقمية من الطبعات االقديمة لمؤلّفات الشاعر صاحب "الأجنحة المتكسرة" ومصوّرات عن مقالاته الصحافية، من ذلك نقرأ كتاب "عرائس المروج" في طبعته الثانية عن "المطبعة الرحمانية" في مصر عام 1922، وصورة من مقاله "نحن وأنتم" في جريدة "مرآة الغرب" بعددها الصادر في السادس من كانون الثاني/ يناير عام 1911 في نيويورك لصاحبها نجيب موسى دياب.
توجد في الباب ذاته نسخة إلكترونية من أول مؤلّفات جبران "نبذة في فن الموسيقى"، الذي صدر عن "مطبعة المهاجر" في نيويورك عام 1905، وقد ختمه بالقول: "وغني يا سورية اسم شاكر الحلبي ويا مصر عبده الحمولي. كبّر أيها الكون الألى بثّوا في سمائك أنفسهم وملأوا الهواء أرواحاً لطيفة وعلّموا الإنسان أن يرى بسمعه ويسمع بقلبه. آمين".
إلى جانب ذلك، ينشر الموقع أيضاً بعض مقالاته في "الفنون"، وهي مجلة شهرية صدرت في الولايات المتحدة عام 1912، وكتابه "دمعة وابتسامة" الصادر عن "مطبعة الأتلنتيك" الأميركية سنة 1914، ونسخة من كتاب "العواصف" عن "دار صادر" البيروتية عام 1959، وكتاب "البدائع والطرائف: مقالات ومنظومات حديثة ورسوم خيالية" عن "مكتبة العرب" القاهرية عام 1923، وبعض رسوماته لشخصيات عربية، مثل مجنون ليلى، وهارون الرشيد، وأبو العلاء المعري، وابن سينا والغزالي، والمعتمد بن عباد، والخنساء، وابن خلدون، وابن الفارض، وأبو نواس.
كما يُعرض في الموقع فيلم "الرؤية المقاومة"، الذي أعدّه وصنعه الباحث غلين كالم، وفيه يصوّر اقتباسات عدد من رؤساء الولايات المتحدة لمقولات جبران، وحضوره في أعمال عدد من المغنين، مثل ألفيس برسلي وجون لينون، ويعلّق سهيل بشروئي حول تلقّيه في الثقافة الغربية، وتظهر على الشاشة محطّات أساسية في حياة صاحب "المواكب" وعدد اللغات التي تُرجم لها وحجم مبيعات مؤلّفاته.