خلال 13 عاماً فقط، قدّم الطيب 21 فيلماً تمكّن خلالها أن يقدّم مقولته/ مرافعته كاملةً من غير لبس، وهو الذي عكست أعماله سيرة حياته بشكل أو بآخر؛ الفلاح القادم من الصعيد الجوّاني –من جزيرة الشورانية في محافظة سوهاج- إلى القاهرة، مؤمناً بوعود الناصرية في التحرّر الوطني والعدالة الاجتماعية.
مثل كثيرين من أبناء جيله، لم تعبّر نكسة حزيران عام 1967 عن كارثة وطنية فحسب، إنما تعامل معها باعتبارها هزيمة شخصية كذلك، ولأن أقداره قادته إلى الخدمة العسكرية بعد أن أنهى دراسته في المعهد العالي للتمثيل عام 1970، فإن سنواته الخمس التي قضاها في الجيش كشفت له حقيقة حرب أكتوبر التي فصّلها السادات ليغيّر وجه "أم الدنيا" بتوقيع اتفاقية السلام مع الاحتلال، وبدْء أبشع خصخصة قادت إلى ارتهان عيش المواطن المصري للخارج حتى اليوم.
منذ تقديمه أولى أفلامه الروائية؛ "الغيرة القاتلة" و"سوّاق الأتوبيس" عام 1982، وحتى يوم رحيله الذي يصادف اليوم، لم يغب عن باله أن إخضاع السلطة للجسد واستغلاله وتوجيه طاقاته/ ذاته يمثّل مركز عنفها المادي والرمزي في إطار سيطرتها على الفرد والجماعة.
تنبّه صاحب "التخشيبة" (1984) باكراً إلى أن منظومة الاستبداد تتأسّس على استحواذ الجسد من خلال آليات الرقابة التي تتحكّم به وترسم له لغة وحركة لا يحيد عنهما، لتحتكر النماذج والأدوار التي يجب أن يقوم بها، حيث تصادر حريته ووعيه وهويته، وتصبح غاية وجوده التضحية من أجل الوطن والشرف والعقائد وغيرها من قيم يُصادرها المستبد وتحلّ مصالحه محلّها ويستعير قدسيته منها.
في هذا السياق، تجدر مراجعة أفلامه الثلاثة: "البريء" (1986) و"الهروب" (1991)، و"ضد الحكومة" (1992) التي قام ببطولتها أحمد زكي، حيث يصوّر الأول اعتقال المشاركين في انتفاضة يناير 1977 ضد "كامب ديفيد"، وتعذيبهم على يد جنود بسطاء مؤمنين بأنهم يعاقبون أعداء الوطن فُتنتهك الأجساد وتصفى باسمه، وفي اللحظة التي يعي فيها الجندي/ بطل الفيلم هذه الخديعة، يصوّب بندقيته باتجاه الضباط، وهي النهاية التي حذفتها الرقابة قبل أن يُسمح بعرضها بعد ثلاثة عقود.
يروي الفيلم الثاني قصة موظّف يعمل في أحد مكاتب العمل التي فتحت أبوابها في الثمانينيات لتشغيل المصريين في بلدان الخليج، ويقدّم عقوداً مزوّرة مقابل مبالغ كبيرة، فتُدسّ المخدرات في بيته بعد فضحه الأمر، ويُقبض عليه ويهرّبه أحد الضباط الفاسدين ليشغل الرأي العام بقضية موظف هارب من سجنه، وإبعاد الأنظار عن إخفاق السلطة في مواجهة إحدى الجماعات المتطرّفة.
يهرب البطل ويُهرّب أكثر من مرة في عملية مدروسة، ليرصد صاحب فيلم "كتيبة الإعدام" حالة أخرى يصبح فيها المرء هارباً وملاحقاً من دون ذنب اقترفه، يجري استعادة جسده وإطلاقه في لعبة تفضي إلى قتله حين ينتهي استخدامه.
الجسد في العمل الثالث يجري الاستهانة به وإلغائه تماماً فلا يعود لوجوده أي قيمة ومعنى، حين ترفض الحكومة الاعتراف بفشلها وفسادها وظلمها فتعتبر حادثة اصصدام حافلة طلاب مدرسة بعربة القطار مجرّد "قضاء وقدر" يستحق عقاب السائق وعامل سكة الحديد، لكن بطل الفيلم/ المحامي ينجح في طلب الوزراء المسؤولين للمثول أمام المحكمة وتقديمهم إلى العدالة.
تسير آليات ضبط الجسد والسيطرة عليه وفق نظام محدّد يتحالف فيه محامي شركات التأمين الذي يعمل أيضاً مستشاراً لدى الحكومة، ومدرّساً في كلية الحقوق التي تخرّج محامين وقضاة وضباط شرطة يعملون لخدمة هذا النظام.