تخضع ترجمة التراث العربي كُليّاً في السياق الراهن لتوازناتِ سوق النشر وسياسات التسويق، إذ من السهل ملاحظة الإقبال المتزايد على مواضيع بعينها تخص المنطقة العربية، يتصدرها العنف والجنس والغرائبية والإرهاب بالطبع.
تتوجه الترجمة في العادة إلى الناطقين باللغة المستضيفة، ورغم أن وضع النصوص العربية القديمة مختلف لأنّها تستدعي الفهم أوّلا، ثم سبر الأغوار ثانياً عن طريق الاطلاع على الشروحات والتفاسير، فهي تظل مستعصية على العربي الحديث نفسه.
فالترجمة إذ تتوجه للغربي عادة، لكي يفهم بعضاً من ماضي الشعوب التي يتعامل معها، وهو ماض غالباً ما ينظر إليه بريبةٍ هذا القارئ الذي قولبت الميديا وعيه عبر عقود طويلة، أُنتِجت فيها متلازمات ثقافية تعتريها تعميمات مغرضة وجاهلة من قبيل: مسلم/ظلامي، وعربي/متخلف، وشرقي/مضطهد للمرأة...
لكن ماذا عن صاحب هذا الإرث نفسه، أي الإنسان العربي، وكم يعرف تراثه، وهل يكون الحديث عن ترجمة تراثنا إلى لغات العالم بمثابة تذكير معرفي له بالعمق الحضاري الغنيّ والمتعدد لثقافته، وضرورة أن يكون هذا التراث في متناول أجياله العربية الجديدة؟ فإذا كان الغربي الحديث جاهلاً بهذه الثقافة، والترجمة تمهّد له مدخلاً إليها، فكم من منتمٍ لها يجهلها.. وهو جهل أفظع بكثير.
* كاتبة ومترجمة مغربية مقيمة في باريس