تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الرابع والعشرين من آذار/ مارس، ذكرى ميلاد عالم الآثار المصري سليم حسن (1886 - 1963).
عند تفسير نشوء أشكال ثقافية حديثة في الثقافة العربية، أبرزها الرواية أو المسرحية الحديثة والنقد الأدبي القائم على منهجيات علمية، يُرجع المؤرّخون ذلك إلى مرحلتين، الأولى تمثّلت في الاحتكاك بهذه الأشكال الوافدة مع الغربيين خلال القرن التاسع عشر، والثانية تتمثّل في صعود الرغبة في إنتاج هذه الأشكال من داخل الثقافة العربية وبمفرداتها بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. عرفت مصر أبرز تجلّيات هذه النزعة، وكثيراً ما سمّيت بـ"عودة الروح" استناساً بعنوان رواية للكاتب المصري توفيق الحكيم.
كان علم المصريات من بين هذه المعارف الوافدة، ومن مفارقاته أنه لم يشتغل ضمنه إلا أثريين من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وروسيا، في حين أن مادّته كانت الآثار المصرية، واقتصر دور أهل البلد على تنفيذ الحفريات لا غير.
ضمن موجة "عودة الروح"، كان من الضروري أن يلتفت المصريون إلى العلم الذي يحمل اسم بلادهم، وبالتدريج تبلورت نزعة في امتلاك أدواته ليظهر عدد من المصريين ضمن خرائط التنقيب على الآثار منهم أحمد كمال باشا، لكن اكتمال هذا التطلع بامتلاك موقع حقيقي في علم المصريات سيظهر مع أحد تلاميذه، سليم حسن، الذي سيلقّب بـ"عميد الأثريين المصريين".
لم يأت هذا اللقب من فراغ، فقد كان حسن وراء إدراج علم المصريات ضمن المقرّرات الجامعية بما يضمن تواصل حضور المصريين في هذا الحقل، وساهم بفضل اعتراف علماء الآثار الغربيين بغزارة علمه سبباً في تسليم إدارة "المتحف المصري" للمصريين وكان أوّل وكيل عام لمصلحة الآثار المصرية، ومن أوائل رؤساء فرق التنقيب المصرية، وكثير من المواقع واللقى يعود إليه الفضل في العثور عليها قدّرت في ستينيات القرن الماضي بأكثر من 170 اكتشافاً.
لكن أهم ما يبقى من أثر حسن هو إنجازه لـ"موسوعة مصر القديمة" في 18 مجلّداً، وبفضل هذا العمل الضخم يمكن القول بأن علم المصريات صار حاضراً داخل الثقافة العربية حيث أن الباحث كان قبل ذلك مضطراً للتوجّه إلى مصادر من لغة وسيطة، الفرنسية أو الإنكليزية غالباً، ولا تزال هذه الموسوعة إلى اليوم المرجع الأساسي في الثقافة العربية لعلم المصريات، وإن كان من الضروري الإشارة إلى أنها لم تعد كافية منذ عقود مع تطوّر علم المصريات وهو ما يجبر الباحث العربي مجدّداً على الاستعانة بلغات أجنبية.
وضع حسن أيضاً "جغرافية مصر القديمة"، و"الأدب المصري القديم أو أدب الفراعنة"، بالعربية. كما أصدر أعمالاً بالفرنسية والإنكليزية بعضها دراسات مطوّلة حول مراحل من تاريخ الحضارة المصرية القديمة وبعضها ترجمات من الهيروغليفية لنصوص دينية.
يُحسب لعالم الآثار المصري أنه من أوائل من أثار مسألة "النهب الاستعماري"، وكان ذلك منذ عودته من بعثته الدراسية في باريس، ومروره بأبرز متاحف أوروبا في عشرينيات القرن الماضي. كتب حسن سلسلة من المقالات صدرت في "الأهرام" تحت عنوان "الآثار المصرية في المتاحف الأوروبية"، لعله من الضروري اليوم العودة إليها، مع مرور قرابة قرن على صدروها، وصعود أصوات كثير من الأطراف في العالم تدعو لإعادة الآثار إلى أوطانها الأصلية.