أصدقاء لغتنا: مع أندري سميرنوف

15 اغسطس 2019
(أندري سميرنوف)
+ الخط -
 

تقف هذه الزاوية عند مترجمي الأدب العربي إلى اللغات العالمية المختلفة، ما هي مشاغلهم وأسئلتهم وحكاية صداقتهم مع اللغة العربية. 


متى وكيف بدأت علاقتك باللغة العربية؟

بدأ الأمر حين اتخذتُ من اللغة العربية اختصاصاً ضمن دراستي في "معهد بلدان آسيا وأفريقيا" التابع لجامعة موسكو، وبعد ذلك رافقتني العربية وثقافتها ضمن انشغالات أخرى متعدّدة، كقارئ وباحث. لكن قبل ذلك أعتبرها جليساً وصديقاً وهواية، ومن بعد ذلك تأتي كحرفة ضمن اشتغالي مترجماً أو باحثاً في الفلسفة.
 

ما هو أول كتاب ترجمته وكيف جرى تلقيه؟

أوّل كتاب ترجمته إلى الروسية كاملاً هو كتاب "فصوص الحكم" لـ محيي الدين ابن عربي، وقد كانت أيضاً أول ترجمة كاملة لهذا الكتاب إلى اللغة الروسية، وهو كتاب أعتبره في غاية الأهمية. صدرت هذه الترجمة سنة 1993 كملحق لدراسة أنجزتها حول فلسفة ابن عربي. وهنا أحبّ أن أشير إلى أنني خلافاً لما يراه المستشرقون الغربيون الذين يحصرون ابن عربي في كونه متصوّفاً وشاعراً فحسب، أنا أصنّفه كفيلسوف بكامل معنى الكلمة. كان الشيخ الأكبر يعتبر نفسه مفسّراً للشريعة الإسلامية بمعناها الأوسع، حيث أبرزَ المعنى الحقيقي للتراث العقائدي والفكري والروحي لزمنه وكشف المبادئ الوجودية، وهي التوازن الديناميكي الأبدي والأزلي بين الحق وبين الخلق، يعني بين الله وبين العالم والمتحقق من خلال ما سمّاه الشيء الثالث أي الإنسان الكامل.
 

ما هي آخر إصداراتك المترجمة من العربية وما هو إصدارك القادم؟

في 2015، أصدرت مجلداً تضمّن مختارات من كتاب "الفتوحات المكية" لمحيي الدين بن عربي، أيضاً. كان كتاباً في قرابة 400 صفحة. كما أنني ترجمتُ مقتطفات من مؤلفات مفكري اللغة العربية مثل سيبويه والخليل بن أحمد الفراهيدي، وكان ذلك ضمن دراستي لنظرية الحرف في النحو العربي. أما الإصدار القادم، فأنا أشتغل على أمرين؛ الأول هو العمل على صياغة جديدة لترجمتي السابقة لـ"فصوص الحكم" التي تحدّثت عنها أعلاه، كما أنني أنوي ترجمة كتاب "المقدمة" لابن خلدون. بخصوص الخيار الأول فإن هذه العودة إلى كتاب سبق لي أن ترجمته يعود إلى أنني بعد إصدار الترجمة قد أخرجت كل الأحاديث في "فصوص الحكم"، وكتبتُ شرحاً موسّعاً لها، وهذا ما لم أستطع القيام به وأنا أشتغل على الإصدار الأول. أما بخصوص اختيار كتاب "المقدمة" كمشروع ترجمة قادم، فقد قررت خوض هذه التجربة بسبب كون الترجمة الكاملة التي أنجزتها المستشرقة الروسية الراحلة "باتسييفا" بَقيت مخطوطاً منذ عقود، وحتى بعد وفاتها لم تنشر إلا بعض المقطوعات من هذا الكتاب العظيم، لذلك أجد من الضروري تحمّل هذه المسؤولية وترجمة "المقدمة" للقارئ الروسي.
 

ما العقبات التي تواجهك كمترجم من اللغة العربية؟

روسيا فيها إقبال كبير على الأدب العربي وغيره من أنواع الأدب غير الغربي، فلا يغيب عن البال أن الدين الإسلامي قد تأصّل في أراضي روسيا المعاصرة منذ قرون عديدة، وقد عاش ولا يزال المسلمون والمسيحيون والبوذيون وممثلو الأديان التقليدية منذ ذلك الحين جنباً إلى جنب وتشاركوا في الإنتاج الثقافي والعلمي والأدبي. هذا العامل يجعلني أقول بأنه لا وجود لعقبات تواجه المترجم الروسي من العربية، كالتي يجدها ربما المترجم إلى ثقافات أوروبا الغربية.
 

نلاحظ أن الاهتمام يقتصر على ترجمة الأدب العربي وفق نظرة واهتمام معينين، ولا يشمل الفكر وبقية الإنتاج المعرفي العربي، كيف تنظر إلى هذا الأمر وما هو السبيل لتجاوز هذه الحالة؟

في روسيا العكس أصح إلى حدّ كبير. إذ يزداد عدد الدراسات حول اللغة العربية وعدد الكتب المترجمة من العربية شأنه شأن ما يكتب في بلدان إسلامية عديدة من أدب ومن أنماط كتابة أخرى. أعتقد أن هذا الوضع قد أفرزه وجود وعي في روسيا بأن الحضارة العربية والإسلامية لها ما تضيفه للباحث الذي يتخصّص فيها، وكذلك للقارئ أياً كان، ففيها جواهر التجربة والرؤية والمعاني التي لا مثيل لها في الحضارات الأخرى بما في ذلك الغربية.
 

هل هناك تعاون بينك وبين مؤسسات في العالم العربي أو بين أفراد وما شكل التعاون الذي تتطلع إليه؟

ليس على المستوى المرجوّ حتى الآن ولكنّني أتمنّى أن يتحسّن الأمر مستقبلاً.
 

ما هي المزايا الأساسية للأدب العربي ولماذا من المهم أن يصل إلى العالم؟

أعتقد أن أهميتها الأساسية تتعلّق بكونها تمثّل بديلاً لمركزية الثقافة الغربية. الفكر الأوروبي منذ الإغريق مرتكز على مفهوم الجوهر بينما ترتكز الرؤية العربية قبل الإسلام وبعده على مفهوم الفعل أو المصدر إذا استخدمنا المصطلح النحوي، فمثلاً كانت الميتافيزيقا عند المعتزلة مختلفة جذرياً مقارنة بمفهومها عند الفلاسفة اليونان، وهذا الاختلاف انعكس في التصوّف والنحو والشعر والأدب والفقه والفن.
 

بطاقة

مترجم روسي وباحث في الفلسفة من مواليد 1958. من مؤلفاته: "الفلسفة الإسلامية: ابن عربي وابن سينا والسهروردي"، و"منطق الحواس في الثقافة العربية". شارك في تأليف "الموسوعة الفلسفية" بـ 50 مقالاً حول الفلسفة الإسلامية. من ترجماته: "فصوص الحكم"، وأجزاء من "الفتوحات المكية" لابن عربي. كما أصدر كتاباً بعنوان "مختارات" تضمّن نصوصاً من مؤلفات مختلفة له، ويترجم حالياً في "مقدمة" ابن خلدون.

 


 
المساهمون