دائماً ما يقترن الخط العربي بالعمارة والفنون في ممارسة نظرية وتطبيقية تعود إلى مئات السنين، حيث لم يأت توظيف الحروفيات في البناء والزخرفة والأرابيسك وصناعة المشغولات النحاسية والزجاجية والخشبية لأبعاد جمالية فقط، إنما تزامن مع تنظير فلسفي يعكس طبيعة الإيمان والمعتقد لدى قدماء المسلمين.
مع تنوّع الثقافات والشعوب ضمن الحضارة الإسلامية، تفاعلت مؤثرات متعدّدة ساهمت في تطوير الخط والكتابة، فتشكّلت أنماط مختلفة في توظيف الخط بين منطقة لأخرى حيث تختلف العمائر والفنون في الهند عنها في تركيا أو في شمال أفريقيا وإسبانيا.
بالتزامن مع شهر التراث، ينظّم "المتحف العمومي للخط الإسلامي" في مدينة تلمسان (520 كلم شرقي الجزائر العاصمة) فعاليات "ليالي الخط والمخطوط" التي انطلقت في التاسع من الشهر الجاري، وتتواصل حتى الثامن عشر منه.
تتيح هذه التظاهرة للمهتمين بكتابة الخط العربي إلى "التعرّف على توظيف الحرف في عدّة مجالات كالشعر وكتابة المخطوط وأهمية إعطاء جمالية للخط العربي في جميع مجالات استعماله"، بحسب بيان المنظّمين.
تضمّنت الليلة الأولى تقديم مداخلة بعنوان "توأمة بين الخط والشعر" ألقاها الشاعر نور الدين مبخوتي، في إضاءة على التجربة الشعرية العربية القديمة التي اتسمت بخصائص حملت طبيعة إنشادية في المرحلة الشفوية واتسمت بمظاهر مختلفة في مرحلة الكتابة والتدوين، حيث لعب الخط العربي خلالها دوراً فاعلياً، بينما استجابت التجربة الشعرية الحديثة في ارتباطها بالخط العربي لتحولات فكرية وثقافية وظهرية بصرية انعكست على الشعر الذي أصبح الشكل البصري أحد مقوماته.
إلى جانب تنظيم معرض بمناسبة ذكرى المجازر التي ارتبكها الاستعمار الفرنسي في معدّة مدن جزائرية في الثامن من أيار/ مايو عام 1945، ويضمّ مخطوطات شاعر الثورة مفدي زكرياء (1908 – 1977)، الذي وضع العديد من المجموعات الشعرية منها "تحت ظلال الزيتون"، و"اللهب المقدس"، و"من وحي الأطلس"، و"إلياذة الجزائر".
يقام في ختام التظاهرة التي تتزامن مع اليوم العالمي للمتاحف ندوة تشتمل على عدّة مداخلات من باحثين ومتخصّصين في الخط العربي حول توظيف الحروفيات في كتابة المخطوط، الذي شهد تحولات سريعة قياساً باستخداماته في قطاعات أخرى، حيث جرى استحداث وتطوير أنواع مختلفة من الخط مع ازدهار فن المخطوطات خلال العصر العباسي.