عبد العزيز آل محمود.. القرصان بالألبانية

02 أكتوبر 2019
عبد العزيز آل محمود
+ الخط -

في تنافسها المحموم على طرق التجارة بين الهند والغرب، تصارعت القوى الاستعمارية الأوروبية على بلدان الخليج العربي منذ القرن السادس عشر، بدءاً بالبرتغاليين في مرحلة أولى، ثم مع قدوم الهولنديين والفرنسيين في مرحلة ثانية، وانتهاء بالبريطانيين الذين بسطوا نفوذهم بشكل لافت، خصوصاً في القرن التاسع عشر، ضمن مشروعهم التوسّعي في كامل الشرق. ولم تكن تلك الوقائع بمنأى عن صراع آخر كان يقع بين الدولتين العثمانية والصفوية، بخلفياته المذهبية وتأثيره في مجرى الصراع الدائر، إضافة إلى توسّعات إبراهيم باشا انطلاقاً من مصر التي حاولت أن تأخذ مكاناً بين الدول النافذة في مسرح الأحداث في المشرق، وصعود زعامات قبلية جديدة في الخليج لم يتحدّد مستقبلها بعد.

هذه الفترة التاريخية تناول الروائي القطري عبد العزيز آل محمود الكثير من تفاصيلها في روايته "القرصان" (دار بلومزبري - مؤسسة قطر للنشر)، والتي نُشرت في عام 2011.

بترجمة أنجزها أيوب رمضاني، صدر العمل أخيراً باللغة الألبانية عن "دار بوزوكو" بالتعاون مع "معهد الدراسات الشرقية"، وسيحتضن مسرح "المكتبة الوطنية" في العاصمة الكوسوفية؛ بريشتينا، عند منتصف نهار اليوم الأربعاء حفل إشهار ترجمة الرواية، سيتحدث فيه مدير "معهد الدراسات الشرقية" الكاتب محمد موفاكو ومدير دار النشر عبد الله زينلي والروائي الكوسوفي فخر الدين شيخو، إضافة إلى مؤلف الرواية ومترجمها.

في "القرصان" يتكئ الكاتب على سيرةِ شخصيةٍ تاريخية هي أرحمة بن جابر الجلهمي (1760 - 1826) التي أحاطتها الذاكرة الشعبية الخليجية بأساطير عديدة ولّدت اختلافاً حول تقدير مكانته، من صورته كثائر في وجه الاستعمار البريطاني إلى صورة نقيضة باعتباره عميلاً للمحتلين وخادماً لمصالحهم، مقابل صورة أخرى تختزله في قرصان باحث عن مصالحه الشخصية.

يروي العمل تفاصيل أحداث مهمة أثّرت على تاريخ الخليج الذي كانت خرائطه السياسية ومناطق النفوذ فيه قد بدأت تتبلور، مع تنامي وجود البريطانيين الذين أسّسوا "شركة الهند الشرقية"؛ الذراع الرئيسية للاستعمار البريطاني، بمهامها التجارية والسياسية والاستخباراتية، وكانت العمود الفقري للوجود الاستعماري لبريطانيا في منطقة الشرق لحوالي مئة وخمسين عاماً.

تفاصيل عديدة حول هذه الفترة تحتشد بها كتب التاريخ والمذكرات، لكن لم تنل حظها من الاهتمام في الكتابات السردية، وقد استندت الرواية إلى ما ذُكر في مصر والشام والعراق والمغرب عن هذه المرحلة لرسم تفاصيلها وظلالها، وهو عمل بحثي رافق الكتابة السردية يُحسب لآل محمود؛ بحيث استطاع إعادة بناء القرن التاسع عشر داخل نصّه.

يصوّر المؤلف كيف استخدمت بريطانيا وسائل متعدّدة لإخضاع القبائل لسيطرتها، سواء عبر المعارك، أو إثارة الفتن والنزاعات بين رجالاتها، أو بالعمل الدبلوماسي وتقريبهم بالهدايا والمال وتقاسم بعض مناطق النفوذ.

في الفصل الثامن، تبدأ فصول الحكاية بالاتّضاح حين يعترض أرحمة الجلهمي سفينة عسكرية بريطانية ترفع أعلاماً تجارية، ويأخذ سيفاً هندياً أرسله حاكم بومبي البريطاني إلى إبراهيم باشا هديةً لاستمالته في قتال القراصنة والوهابيين.

يبرع آل محمود في تقديم مشهد تسير فصوله ضمن مسارين؛ الأول يسلّط الضوء على رؤية المستعمِر وكيفية إدارة صراعه عبر قادته العسكريين والسياسيين، والثاني يرسم بدقة الخلافات بين العرب أنفسهم وثاراتهم الداخلية التي تسّهل مهمة الغازي وتقصّر أمدها.

في لحظة درامية، يغدر بشر بأبيه أرحمة ويسلّم السيف إلى القائد البريطاني سادلر ضمن تفاهم يُبرم بينهما، ليسطر الوالد على السيف مرّة أخرى ويسلّمه إلى القبطان البريطاني لوخ مقابل عدم تدخّل الإنكليز بين أرحمة وأعدائه الداخليين، قبل أن يُسلّم إلى سادلر مجدّداً لينجز المهمة الموكلة إليه، وصولاً إلى تسليمه إلى المُهدى إليه إبراهيم باشا المصري.

في المحصلة، يمكن القول إن الرواية تساهم في فهم القواعد التي رُسمت في الخليج قبل اكتشاف النفط، والتي استمر بعضها بعد ذلك، وهي بمثابة جزء ثان من رواية "الشراع المقدس" التي عاد فيها آل محمود إلى مرحلة أقدم، هي زمن الاحتلال البرتغالي للخليج.

ويذكر أن سبع طبعات صدرت حتى الآن من الرواية، وترجمت إلى اللغة الانكليزية، وفاز مؤلفها بجائزة الدولة التقديرية عن مجال الأدب في 2019. هذا وسيجري حفل إشهار آخر للرواية خلال معرض الكتاب الدولي بالعاصمة الألبانية تيرانا في منتصف نوفمبر المقبل، حيث أن الألبانية هي لغة الغالبية في كوسوفو وألبانيا واللغة الثانية في جمهورية مقدونيا الشمالية.

دلالات
المساهمون