جمال علّام.. عودة أخيرة إلى بجاية

21 سبتمبر 2018
(من ألبوم "دعوني أحكي"، 1976)
+ الخط -

كأن جمال علّام (1947 - 2018) كان يقتفي آثار الفاتح الأمازيغي القديم طارق بن زياد، وهو يعبر ذلك المضيق الذي سيرتبط باسمه إلى الأبد، بعد أن أحرق سفنه حتى يتقدّم جيشه أو يقضي دون ذلك.

هكذا، اختار المغنّي والمؤلّف الموسيقي الجزائري "جبل طارق" عنواناً لواحدة من أجمل مقطوعاته الموسيقية (ألّفها سنة 1985)، والتي تحوّلت إلى شارةٍ لعددٍ من أبرز البرامج الثقافية، الإذاعية والتلفزيونية، في الجزائر. الفنان الذي غادر عالمنا السبت الماضي، في إحدى مستشفيات باريس، شُيّع يوم الثلاثاء في مدينته بجاية بعد صراع مع المرض.

كان اختياره "جبل طارق" بمثابة عودة رمزية إلى الأندلس، لكن ليس انطلاقاً من المضيق الذي يفصل بين جغرافيّتَين وتاريخَين، فالرحلة بدأت قبل ذلك بفترةٍ طويلة؛ حين نشأ ابنُ مدينة بجاية، شرق الجزائر العاصمة، على حب الموسيقى الأندلسية، هو الذي تتلمذ على يد واحد من كبار شيوخها؛ الصادق البجاوي (1907 – 1995)، الذي تعلّم منه أصول الموسيقى.

بُعيد استقلال الجزائر عام 1962، وكان حينها في الخامسة عشرة من العمر، التحق بمعهد بجاية الموسيقي. سنواتٍ بعد ذلك، سيُسافر إلى فرنسا؛ حيث سيعمل مسيّر آلات في "مسرح جيمناز" الباريسي. وهناك، يلتقي بعددٍ من أبرز الأسماء الموسيقية الفرنسية؛ على غرار جورج موتساكي، وبرنار لافيلييه، وليو فيري، وجورج براسانس.

"مارا آديوغال" أو "عندما يعود" كان أوّل ألبوماته (صدر عام 1973)، تلته أعمالٌ أُخرى تنوّعت بين الأغاني والمعزوفات الموسيقية؛ مثل: "دعوني أحكي" (1976)، "أحلام الريح (1978)، و"سي سليمان" (1981)، و"ساليمو" (1985).

برز علّام، الذي قدّم حفلات في أوروبا والولايات المتّحدة، ضمن مجموعة من الأسماء التي أوصلت الأغنية الأمازيغية الجزائرية خارج حدود البلد؛ مثل إيدير وآيت منغلات. وقد أدّى مطربون آخرون أغنياتٍ من ألحانه أو أعادوا أغنياته؛ مثل إبراهيم طيّب وبوجمعة أغراو.

ألّف موسيقى عددٍ من الأفلام السينمائية؛ مثل: "خذ عشرة آلاف فرنك واذهب" لمحمّد زمّوري،، وشارك ممثّلاً في "مصطفى بن بولعيد" (2009) لأحمد راشدي. كما أخرج فيلماً قصيراً عام 2012 بعنوان "المقعد العمومي".

تعدّد مجال عمل جمال علّام بين الإخراج والتمثيل وقبلهما التأليف الموسيقي والغناء بالعربية والأمازيغية والفرنسية؛ للحب والقضايا الإنسانية العادلة، وضدّ التخلّف والتطرّف بكل أشكاله.

رغم انطلاقه نحو آفاق أرحب بجميع اللغات التي يعرفها، ظلّ الحنين يراوده إلى الطفولة التي سيعود إليها عام 2011 في ألبومه "قوراية"، برفقة الموسيقي الجزائري الصافي بوتلة. وقوراية جبلٌ في مدينة بجاية على الضفّة الجنوبية للبحر المتوسّط أخذ اسمه من وليّة صالحة يُسمّيها السكّان المحليّون "يمّا قوراية" أو "أمّي قوارية".

بين "قوراية" و"جبل طارق"، رحلة لا تقاس بالكيلومترات، بل بالمسافة بين الطفولة والحلم إلى آفاق إنسانية أرحب، رغم المرض الذي ألزم جمال علّام الفراش طويلاً وظل يقاومه، إلى أن تغلّب عليه أخيراً وهو في الواحدة والسبعين.

المساهمون