عوالم الشر البديلة

31 يوليو 2018
أحمد مرسي/ مصر
+ الخط -

تحويل عالمنا إلى مادة للسينما، استنفد أغراضه أكثر من مرّة في مسيرة الفن السابع، ما أبرز الحاجة إلى اختلاق عوالم بديلة، فكانت الدراما من حين لآخر تجهد في قطع ما يربط بينها وبين العالم المعاش، وتصنع عالماً له لغته وخصوصيته وأسراره... حتى مخلوقاته لا تشبه البشر.

في اختلاق عالم بديل، ما ينفي الصلة بعالمنا في تجلّياته ومفرداته، ويحثّ الكاتب على ابتداع فضاءات لا تحيل إلى واقع يعاني من الرتابة، وإنما عالم من المفاجآت، تتمظهر بمخلوقات غير مألوفة في طرائق سلوكها ومفاهيمها وطبائعها، سواء في القسوة والغباء، أو الذكاء والطيبة...

نماذج غريبة مركبة من أشكال فانتازية، خليط من أعضاء حيوانات وعناصر بشرية، تستعمل أسلحة بدائية، أو متطوّرة جداً، تخوض حروباً تدمّر مدناً، وتدكّ جبالاً، وتضيء ظلمة السماء بالحمم. تمتلك قدرات خارقة لا تخضع للعلم الذي نعرفه، ولا للعقل أو المنطق اللذين نعرفهما.

يعمل العديد من السينمائيين على تصنيع هذه العوالم المدهشة التي تعود إلى ماض سحيق من ملايين السنين، أو مستقبل يسبقنا بملايين السنين. تبدو كأنها تُستدعى من طيات المجهول، أو تُجترح من العدم.

تشهد هذه الأفلام انتشاراً محموماً، وتحصد شعبيةً واسعة لدى الكبار والصغار، تزوّدهم بثقافة التعرّف إلى عوالم لا وجود لها، يُزعَم أنها تقبع في أزمنة بادت، أو أزمنة قادمة، تتنبّأ بحروب بين الكواكب، تشعل لهيبها مخلوقات صنعت في الاستديوهات، تسترشد بالعلم، على أنها من أفلام الخيال العلمي.

إن كانت تدلّ على شيء فعلى أنه بوسع الخيال الشطط في اكتشافات لا تعني سوى التسلية البريئة، لكن البراءة لا تدرّ المال، فاستُعيد القتل بأبشع صوره، لرفع عيارات التسلية. لكن مهما اشتط الخيال، لا يمكنه الاستثمار طويلاً في استعراضات الموت دونما هدف إلى ما لانهاية.

إذن، لا بد من الاستعانة بمأثرة الحياة الكبرى، باعتماد الثيمة المعروفة ولو كانت مستهلكة: الصراع بين الخير والشر، المادة التي لا تغيب عن الواقع، هل يجوز حجبها عن الخيال؟ كانت دائماً الذخيرة المثلى لسلسلة لا تنضب من الوقائع الدراماتيكية، فالشر إن لم يهب الروح للمسلسلات، لا يضن عليها بالحيوية، بينما الخير صمّام أمان، ففي وجوده ولو رمزياً ضمانة لازدهار الشر، ولو كان في القضاء عليه.

لا تعترف الدراما بالانتصارات ولا بالهزائم، تتشبّث بالاستمرارية، استمرارية مسلسل الصراع الخالد، فيغدو انتصار الشر للإثارة المؤقّتة، بينما تسعى المخلوقات الطيّبة إلى تغيير المعادلة والانتصار بدورها على الشر، مؤقتاً أيضاً.

تُحافظ السينما، حتى في مناحي التخييل الأكثر تمرّداً وانطلاقاً، على صلة مع الحياة مهما حاولت التنصّل منها، لا تنفصم. فالخيال مهما كان طليقاً، ليس متحرّراً من الواقع، لا يستطيع العمل إلّا بالاستعانة به، يستلهم منه الشر والأشرار، المسلّحين والأسلحة والدكتاتوريات، فالأرض موطن الرعب والمسوخ المجرمة.



المساهمون