"أدب الشباب" من المصطحات الأكثر لبسًا وغموضًا في الأدب العربي المعاصر، وفي حالة المغرب، راج هذا المصطلح المبهم أوّل الأمر في الصحافة الحزبيّة خلال تسعينيات القرن الماضي بعدما تلقّفه بعض النقاد من المجلات التي كانت تصل من المشرق، تبنّوا المصطلح وأرادوا ترسيمه من خلال مقالات مفخّخة غايتها تكريس الإقصاء الذي كان سائداً في المؤسسة المغربية.
كما ظهرت مصطلحات أخرى أكثر ضبابيّة وعمشًا من قبيل "قراءة عاشقة" و"قراءة فاتنة". وقرأنا، أيضًا، سلسلة حوارات مع شعراء وكتّاب قصّة موهوبين أحرجوا السّاحة الثقافيّة بنصوصهم الجريئة، وهو ما اعتبرناه جميعاً من حسنات المرحلة.
حوارات خرجت كلّها هكذا "حوار مع الشّاعر الواعد فلان بن فلان" أو "حوار مع القاصّة الواعدة فلانة الفلانية"، غير أنّ مربط الحمار أو الأتان هو كلمة "واعد" التي لا تعني سوى التقزيم من هيئتك الإبداعية وبعثرة تسريحة شَعرك المستفّزة بأصابع خبيثة وربّما من تواجدك الطارئ مثل صندوق قمامة في طريق العروس.
الأمر أشبه بمن يقدّم لك السّم وأنت تشكره بزيادة متوهما أنك تشرب عصير الموز. هذا الطارئ صار مكرّسًا في ظرف وجيز، بل جرت سيول جارفة تحت أقدام بلطجيّة النقد الأدبي حدّ أن صارت مقالاتهم شبيهة بكلمة "السلام عليكم" التي تسمعها يوميّاً في الأماكن العمومية في وقتٍ تنافست فيه جريدة حزب الاستقلال وجريدة الاتحاد الاشتراكي على استقطاب الشّعراء والقصّاصين كمتعاونين في القسم الثقافي وبمكافآت رمزيّة حين اختار هؤلاء الالتحاق بالعاصمة الرباط إمّا كطلاب جامعات أو كاختيار أملته ظروف انقسام الخريطة الثقافية إلى مركز وأطراف على غرار ما كان سائداً في باقي الدول المغاربية وبلدان المشرق.
هكذا ارتفع تبادل اللّمز والغمز بين الجرائد الحزبيّة على نحوٍ غير مسبوق. هذه تغمز في ملحقها الثقافي يوم الجمعة والأخرى تردّ الغمزة غمزتين يوم السبت في ملحق ثقافي مشابه. وهو ما كان في صالح هؤلاء الوافدين الجدد الذين وسّعوا من دائرة حضورهم عن جدارة، وبالمقابل فتُر مصطلح "أدب الشباب" بعد أن انفضحت أدوات الناقد الغشّاش المغموسة في محلول الصوديوم، قبل أن تُسوّي الثورة المعلوماتية أرضَ الإبداع بالكامل حيث لا أكمة ولا هرم.
أتذكّر آلام عصا المعلّمين على ظهري، وكلمتي "خاص و"عام" وباقي أيقونات التمييز والإقصاء التي قرأتها وسمعتها في تلك المرحلة. أتذكّر كلّ شيء وعيني على طرفة بن العبد الذي كتب معلّقته في أواخر مراهقته وعجّلت الأقدار والمكائد برحيله. والشاعر رامبو الذي قال كلّ شيء قبل سنّ الحادية والعشرين وانحدر إلى أفريقيا ليتاجر بالسلاح والقهوة. غير أنّ لا أحد تعرّض لأشعار طرفة ورامبو بالنقد المفخّخ وتجرأ على وضعها ضمن "أدب الشباب".
* كاتب من المغرب