يعود الكاتب إلى ظهور مفردة الموسيقولوجيا لأوّل مرّة سنة 1827 والتي برزت كعنوان لكتاب ألّفه المنظّر الألماني يوهان بينهاند لوجيا، وبدأ الاعتراف بها تدريجياً في ستينيات القرن التاسع عشر، ولم تكن دراسة الموسيقى تعتبر كمادّة مستقلّة بذاتها بل كانت من المعارف العامة التي تعطي بعض النظريّات المتعلّقة بتساؤلات هي بالأساس موسيقيّة.
ويشير إلى تعدّد وتراكم الاختصاصات الموسيقولوجيّة منذ أواخر القرن التاسع عشر، وتفرّعها إلى مجالات بحثيّة مختلفة، موضحاً أن الموسيقولوجيا من بين العلوم الإنسانيّة التي تحمل خطاباً علمياً قابلاً للتطوّر والتجدّد والتنقيح، أي أنّها تخضع إلى النسبيّة المعرفيّة وأنّ كلّ النتائج المنبثقة عنها هي نتائج غير نهائيّة، فجاءت الموسيقولوجيا لتنقل الخطاب من سيطرة النخبة الموسيقيّة إلى العامّة مع المحافظة على صفتها العلمية.
يتناول بشة أربع مراحل تاريخية مرّ بها الموسيقي، الأولى اهتمّت باستعراض الأحداث الموسيقيّة وتاريخ المؤلّفات ومسيرة أصحابها والبحث في مكانتهم الفنيّة والاجتماعيّة وربما انتماءاتهم السياسيّة، والثاني اعتنت بتاريخ الموسيقى دون تحليلها أو نقدها بالكيفيّة التي نعرفها هذه الأيّام وهي مرحلة ظهور اختصاص فيلولوجيا الموسيقى بمفهومها وآليّاتها التقليدية.
وفي المرحلة الثالثة، بحسب الكتاب، جرى الاهتمام بتاريخ الموسيقى عبر الاعتماد على مناهج عديدة أساسها المقارنة والتحليل وذلك بتفحّص العناصر والمكوّنات الموسيقيّة من خلال معالجة السلالم والنسب بين الأصوات الموسيقيّة والأجناس والأساليب، وفي الرابعة بدأ دخول ما يُسمّى بالاختصاصات المساندة مثل علم الاجتماع والفلسفة وعلم النفس وعلم الصوت والفيزياء والتكنولوجيا الحديثة والسيميولوجيا والعلوم السياسيّة.
في مستوى ثانٍ، يستعيد المؤلف أهم ما أنجز من أبحاث تونسية تناولت التعبيرات الموسيقية المحلية، ومنها ما تناوله الصادق الرزقي انطلاقا من كتابه "الأغاني التونسية" الذي عاين فيه الأجواق التونسية وأنواع الغناء في المناسبات الاحتفالية، وأبحاث الكاتب حسن حسني عبد الوهاب انطلاقاً من كتابه "ورقات" الذي حاول من خلاله تقديم بعض المناقشات والأفكار حول نظرته إلى مجمل الموسيقات التونسية باختلاف أنواعها الشعبية والبدوية والطرقية، وصولاً إلى ما قد مه المنوبي السنوسي وما اشتغل عليه من أبحاث امتدت منذ اتصاله بــ البارون ديرلنجاي سنة 1922 إلى آخر يوم في حياته.