تعرف المغرب تظاهرات عديدة للغناء الصوفي، التي لا تقتصر فعالياتها على عروض الإنشاد الديني وحلقات المدائح، بل تنفتح على أشكال مختلفة من الموسيقى التي تقترب من جوهر التصوّف، وتنظّم نقاشات علمية حول تاريخه ومرجعياته المختلفة.
يعدّ "مهرجان الموسيقى الروحية العالمية" الذي افتتحت دورته الرابعة والعشرين الجمعة الفائت في مدينة فاس وتتواصل حتى الثلاثين من الشهر الجاري، أحد أبرز هذه الملتقيات التي لا تفصل الفن عن سياقاته الفكرية والاجتماعية والتاريخية.
يشارك في التظاهرة حوالي 150 عازفاً وتتوزّع العروض بين فضاءات حديقة جنان السبيل، وقاعة العمالة، والمركب الثقافي سيدي محمد بن يوسف، ودار عديل، ودار بنسودة.
"معارف الأسلاف وتجديد مدينة فاس" شعار الدورة الحالية الذي يشير إلى كيف حافظت هذه الحاضرة "على تقالیدھا الثقافیة والحرفیة، حیث يشعر المرء بقوة الصلة الجوھرية بین الصناعة التقلیدية والحیاة الروحیة"، بحسب بيان المنظّمين والذي يتزامن مع بدء مشروع تأهيل أحيائها وساحاتها الشهر الماضي.
يتضمّن البرنامج حفلاً للموسيقي التونسي ظافر يوسف (1967) يقدّم خلاله مقطوعات من ألبومه الأخير "ديوان الجمال والغرابة" والذي يؤدي فيه أغاني التصوّف في حوارٍ يجمع آلات العود والكمان والبيانو، تضاف إلى تجاربه السابقة التي اشتلت على قصائد لشعراء مثل الحلاّج وابن الفارض وأبي نواس.
كما يقدّم الموسيقي الألماني جوردي سافال (1941) عرضه "ابن بطوطة.. رحالة الإسلام"، الذي يتتبع من خلاله رحلات المؤرخ والقاضي المغربي على إيقاعات آلتي الفيولا والربابة، بالتعاون مع عازفين عرب في محاولة لنقل اليوميات التي عاشها ابن بطوطة في أسفاره، إلى جانب تنظيم حفل ثانٍ له بعنوان "موسيقى لحياة وكرامة" وهو مشروع يهدف إلى إدماج الموسيقيين اللاجئين في المجتمعات الأوروبية عبر نقل ثقافتهم وفنونهم.
ويقيم أيضاً الفنانون بالاك سيسوكو من مالي، وراجيري من مدعشقر إدريس الملومي من المغرب حفلاً مشتركاً يضمّ تنويعات من الموسيقى الأفريقية، ويخصّص حفل لعدد من المنشدين الأفارقة من زنجبار ومصر والسنغال وغيرها، إضافة إلى عرض "ثلاث رسائل من سراييفو" يقدّمه الفنان البوسني غوران بريغوفيتش.
على هامش المهرجان، يقام "منتدى فاس" الذي يناقش المعارف القديمة في ثلاثة محاور رئيسية؛ الجمالية والرمزية، وأنماط وأطر الحياة في المجتمع، الفنون والإبداع، ومن بين المشاركين فيه الفيلسوف إدغار موران والمعمارية سليمة ناجي والباحثين أحمد عيدون عبد الواحد منتصر ورشيد أندلسي ومكي زواوي.