هدم "تاجوج": لا موطئ قدم للثقافة في كسلا

08 مارس 2017
(مدينة كسلا من أعلى، تصوير: مكرم سوبرب)
+ الخط -

"سيُمحى تاريخ ثقافي عبر الأجيال.. ستُظلم سماء كسلا، ويبدأ العار في ثوبه الجديد". بهذه الكلمات عبّر المسرحي السوداني معاذ عطا عن ألمه وخيبته مع مجموعة من المثقفين السودانيين لقرار المسؤولين في ولاية كسلا، شرقي البلاد، بيع مسرح "تاجوج" في مزاد علني لتحويل مقرّه إلى مجموعة من المحال التجارية بعد إزالة مبناه وتسويته بالتراب.

شُيّد "تاجوج" في 1970 بجهد شعبي لم تساهم فيه الحكومة وقتها، فقد جُمعت كلفة بنائه وتهيئته من التبرّعات التي ساهم بها المواطنون وهيئات خيرية، وقيل إن أم كلثوم ساهمت هي الأخرى في تشييد المسرح بتحويل جزء من عائدات الحفل الذي أقامته في الخرطوم وقتها إلى جهود بنائه. ليصبح بذلك ملتقى ثقافياً مثّل لسنوات المتنفّس الوحيد بالنسبة إلى أهالي المدينة، وكان يتّسع إلى 1450 مقعداً.

أتى الإعلان عن نية التفريط في المسرح عبر الإذاعة المحلية في كسلا، وقد مثّل صدمة لمثقفي المنطقة، وكذلك لكثير من المواطنين، الذين أطلقوا تظاهرات عديدة تطالب المتنفّذين في الولاية، وكذلك للحكومة في الخرطوم بإيقاف عملية البيع. وانطلقت الدعوات هنا وهناك لنفير شعبي يطالب بحماية المؤسسات الثقافية من التغوّل الحكومي عليها وإحالتها إلى "خراب".

نُفّذت وقفات احتجاجية كثيرة في مسارح أخرى من البلاد، وجرى توقيع مذكرة إلكترونية تستنكر الخطوة وتدعو إلى مناهضتها بالوسائل السلمية، وقد وصف بعضهم عملية بيع المسرح في مزاد علني بـ "المخزي والمحزن"، ورأى آخرون في الخطوة "تصفية للحركة الثقافية ومؤسساتها في كسلا" فضلاً عن "تفكيك حاضنة ثقافية مدنيّة عملت على التكامل الروحي والجسدي والعقلي والنفسي والاجتماعي للإنسان السوداني"، وأن ما يحدث يتنافى مع نهج الحفاظ على التراث والثقافة والتاريخ.

وكانت وزارة التخطيط العمراني في "حكومة كسلا"، قد أعلنت تحويل المسرح الحالي من مكانه والذي يعتبر إستراتيجياً بالنظر إلى توسّطة للمدينة وقربه من السوق. أمل بعضهم أن يحتوي المبنى البديل - وإن كان ذا صبغة تجارية - على فضاء ثقافي وهو ما لم يتحقّق، ما اعتبره البعض "طمعاً من الحكومة في المقر الاستراتيجي للمسرح".

من جهة أخرى، قال معتمد محلية كسلا معتصم عثمان أحمد إن عملية إزالة المسرح وبيع الأرض التي يغطّيها في شكل مساحات لمحال تجارية سيعود قسط من ريعها لصالح بناء مسرح بديل في مدة لا تتجاوز الثمانية أشهر بتكلفة 18 مليار جنيه سوداني، وقد اعتبر في تصريحاته أن مناهضي الخطوة مجرّد رافضين لفكرة التغيير، مؤكداً أن الخطوة تأتي في إطار "إحداث نهضة شاملة" بتأسيس بنى تحتية.

وكان "اتحاد الدراميين بكسلا" قد أكّد عدم استشارته في هذه الخطوة التي وصفها بالفوقية، وأنه تفاجأ بإيقاف وتجميد نشاط المسرح من دون إخطار رسمي تمهيداً لإزالته.

دلالات
المساهمون