"الكتاب كنزٌ لا يفنى" هو شعار الدورة الثانية والعشرين من "معرض الجزائر الدولي للكتاب"، التي انطلقت فعالياتها الخميس الماضي وتتواصل إلى الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. غير أن تتابُع أخبار منع كتبٍ وكتّابٍ من المشاركة فيه، يجعل من المنعِ عنواناً آخر لها.
فبعد إبعاد باحثَين جزائريَّين من المشاركة في ندوةٍ فكريةٍ بُرمجت على هامش المعرض، على خلفية مواقفهما السياسية المعارِضة، أعلن الكاتب والمعارض السياسي، سفيان جيلالي، عبر صفحته على "تويتر"، عن منع كتابه "المجتمع الجزائري: صدمة الحداثة، أزمة القيم والمعتقدات" من المشاركة في التظاهرة الثقافية الأكبر في البلاد.
وقال جيلالي، الذي يرأس حزب "جيل جديد"، إن الكتاب مُنع بـ "تعليماتٍ سياسية"، معتبراً أن القرار "يؤكّد رفضَ السلطة أيَّ صوتٍ معارض، ويعكس محاولةً للحجز على الأفكار التي لا تُناسب طروحاتها السياسية".
ويُعد جيلالي، الذي نشّط حملةً لمقاطعة الانتخابات البرلمانية التي جرت في الرابع من آب/ مايو الماضي، أحدَ السياسيين المعارِضين في الجزائر، حيث تُعرَف عنه انتقاداته الحادّة لسياسات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وحكوماته المتعاقبة.
وفي حديثٍ إلى "العربي الجديد"، رجّح جيلالي أن يكون اسمه هو سبب المنع، وليس مضمون الكتاب الذي قال إنه "لم يُثر أيّة قضايا سياسيةٍ، ولم يتضمّن انتقاداتٍ للسلطة وسياساتها، أو تهجّماً على أشخاصٍ أو جهاتٍ سياسية"، مضيفاً أن العمل، الذي صدر مؤخّراً باللغة الفرنسية عن "منشورات جيل جديد"، يُباع في المكتبات الجزائرية منذ ستّة أشهر بشكلٍ عادي، ولم يُثر أيّة مشكلةٍ أو ردّة فعلٍ ضدَّه.
وأوضح المتحدّث أنه كان مقرّراً عرض الكتاب في جناحٍ لإحدى دور النشر الجزائرية وتنظيم حفل بيعٍ بالتوقيع "لأن إمكانياتنا لم تسمح لنا بحجز جناحٍ في المعرض". غير أن الناشر "أبلغني رفض محافظ المعرض مشاركة الكتاب، رغم أنه نُشر بشكل قانوني".
وقال المؤلّف إن عمله، الذي سيصدر بالعربية مطلع العام المقبل، "يقرأ ويحلّل واقع المجتمع الجزائري اليوم، ورصدَ تحوّلاته، في محاولةٍ لفهم سلوكات الجزائريين، ويتساءل: لماذا وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم وإلى أين نتّجه؟"، مضيفاً أن القراءة تُبيّن أن الجزائري خرج من المجتمع التقليدي ودخل إلى مجتمعٍ حداثيٍ من دون أن يشعر بذلك، وأنه يعيش صراعاً بين القيم التقليدية والحداثية، ما أكسبه سلوكاً خاصّاً به، منذ الاستقلال إلى اليوم".
وكان القائمون على المعرض أعلنوا، في وقت سابق، منع 97 عنواناً من المشاركة فيه. وبرّر وزير الثقافة، عز الدين ميهوبي، القرار بتضمّن تلك الكتب "أفكاراً تدعو إلى التطرّف والطائفية، أو تمسّ برموز الدولة والوطن والثورة".
واعتبر ميهوبي أن منع هذا العدد من مجموع 32 ألف عنوان "أمر طبيعي"، مضيفاً: "لن نسمح بعرض كتب تتناقض مع الهوية الجزائرية، أو تمسّ بالقيم الوطنية، أو تدعو إلى العنف والطائفية. وهذه أمور لا تحتاج الى تبرير".
من جانبه، قال محافظ المعرض، حميدو مسعودي، إنه تمّ التحفّظ على 100 عنوان، مشيراً الى أن "بعض الكتب تشيد بالإرهاب والعنف، أو تدعو إلى الطائفية والتطرّف والعنصرية، أو تخدش الحياء، وهو ما يمنعه القانون"، معلناً عن عرض أكثر من 232 ألف عنوان، منها قرابة 80 ألفَ عنوانٍ لناشرين جزائريين.
وتشارك في الدورة الثانية والعشرين 314 دار نشر جزائرية، و638 دار نشر من 52 بلداً، منها 17 بلداً عربياً.
وقبل انطلاقه، منع القائمون على المعرض الباحثَين الجزائريَّين، دحّو جربال وعيسى قادري، من المشاركة في ندوة حول "مكافحة الاستعمار"، بُرمجت في الأوّل من الشهر المقبل، ضمن فعاليات المعرض.
ورغم عدد توضيح الأسباب، فُهم أن المنع جرى على خلفية مواقف الباحثَين السياسية؛ إذ سبق لهما التوقيع، مع مجموعة من المثقّفين والباحثين، على بيانٍ يطالب بتنظيم انتخابات رئاسية مبكّرة، بسبب مرض الرئيس بوتفليقة، و"غموض مؤسّسة الحكم وإدارة الشأن العام".
وتضامن الكاتب والمؤرّخ الفرنسي، أولفير لوكور غرانديزمان، مع الباحثيَن، معتبراً أن منعهما يمثّل "حجراً على حرية التعبير"، وأعلن مقاطعته المعرض، بعد أن كان مقرّراً أن يشارك في الندوة نفسها.