ثقافة المغرب 2016: واجهة بمحرّكات أجنبية

06 يناير 2017
من أعمال المصورة المغربية ليلى العلوي (1982-2016)
+ الخط -

إذا كانت وزارة الثقافة المغربية قد أعلنت، في أواخر 2016، عن نتائج دعمها للمشاريع الثقافية في مجال الكتاب والنشر بدعم 614 مشروعاً من بين 909 مرشّحين، بما يقدّر بـ 10.489.800 درهم، فهذا لا يعني أن الثقافة تعيش ثورة كوبرنيكية.

فرغم هذا الدعم، ما زال مجال النشر والكتاب يعاني من اختلالات بنيوية تتمثّل في غياب ناشرين محترفين، وغياب عقود مهنية مع المؤلّفين والمترجمين، وغياب سوق للكتاب، وشحّ القرّاء، ما يؤدّي بهذا الدعم إلى أن يصبح مجرّد "ريع ثقافي" تتمتّع به بعض المؤسسات من دون غيرها.

في هذا السياق العام، يمكن أن نضع جائزة المغرب 2016 التي حاولت الوزارة إعادة الاعتبار لها بتشكيل لجان مستقلّة لتفادي ما أثير عند حجب جائزة الشعر السنة الماضية والتسريبات التي تلتها في الصحافة.

وقد مُنحت جائزة العلوم الإنسانية، مناصفة بين محمد أجبرون، عن كتابه "نشأة الفكر السياسي الإسلامي وتطوّره"، الصادر عن "منتدى العلاقات العربية والدولية" في الدوحة، ومحمد سرو عن كتابه "النظر في الطبّ الأندلسي بين ابن زهر وابن رشد"، الصادر عن "المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة" في الرباط.

وفي صنف العلوم الاجتماعية، ذهبت الجائزة إلى محمد العيادي عن كتاب "وجهي الملك: الملكية وإمارة المؤمنين"، الصادر بالفرنسية عن "دار ملتقى الطرق"، وفي صنف الدراسات الأدبية، نال الجائزة عبد الرزاق تورابي عن كتابه "صرف - تركيب اللغة العربية" عن "دار توبقال". وفي السرديات، طارق بكّاري عن روايته "نوميديا" (دار الآداب، بيروت)، وفي الشعر، عبد الكريم الطبال عن ديوانه "نمنمات" (دار باب الحكمة).

وفي الترجمة آلت الجائزة مناصفة إلى رجاء بومدين عن ترجمة "مجنون الورد" لـ محمد شكري إلى الإسبانية الصادرة عن دار نشر "كاباري فولتير" الإسبانية، وخالد بن صغير عن ترجمة كتاب "يهود المغرب وحديث الذاكرة" لـ عمر بوم والصادر عن "منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية" في الرباط. ورغم هذه الجوائز، فجائزة المغرب لم يشارك فيها سوى 175 مؤلفاً في مختلف مجالات الإبداع في بلد يُنشر فيه أكثر من 2400 عنوان في السنة.

قد تُفسّر هذه الترشيحات القليلة بفقدان أغلب الكتّاب الثقة في المنهجية الديمقراطية للجائزة، من جهة، وفي تفضيلهم، ولا سيما الشباب، للجوائز الخليجية، من جهة ثانية. السبب الثاني لعلّه يوضّح كثرة الأسماء المغربية في جوائز "كتارا" مثلاً لهذه السنة، حيث نال المغربي مصطفى الحمداوي عن روايته "ظل الأميرة"، جائزة الرواية غير المنشورة، وفاز كل من إبراهيم الحجري وحسن المودن وزهور كرام ومحمد بوعزّة في مسابقة الدراسات.

وقد بلغت المشاركة المغربية أزيد من 200 عمل من أصل 1004 أعمال تقدّمت للمنافسة، وهو عدد يفوق عدد المشاركات في جائزة المغرب ويطرح بحدّة سؤال تلقّي الكتاب وصناعته ووضعية المؤلف الاعتبارية والاقتصادية.

قد تخفي هذه الحركية الغياب شبه المطلق لأبرز المؤسسات المعنية بالثقافة مثل "اتحاد كتّاب المغرب" و"بيت الشعر في المغرب"، في تقوية النقاش الثقافي، والإنتاج النقدي والإبداعي. وفي السنوات الأخيرة، تعوّض "المكتبة الوطنية" هذه المؤسسات على مستوى تنشيط الساحة الثقافية المحلية بالشراكة مع جمعيات أو معاهد أجنبية. في 2016، نظّمت "المكتبة الوطنية" مع "مؤسسة عبد اللطيف اللعبي" الذكرى الخمسينية لمجلة "أنفاس" تضمّنت معرضاً لإصدارات المجلة.

كما نظّمت بالشراكة مع "المعهد الثقافي الفرنسي" الدورة الثالثة من "ليلة الفلاسفة" التي عرفت حضوراً مكثفاً، ومع "معهد ثيربانتس" الإسباني معرض "دون كيخوته حول العالم". ولعل هذه الفعاليات تشير إلى هيمنة المعاهد الأجنبية، الفرنسية والإسبانية خصوصاً، على الساحة الثقافية.

سجالات 2016 كانت أقلّ تجاذباً مقارنة بسنوات سابقتها. لعل أبرزها ما أحدثه أول "معجم للدارجة" (صدر عن "مركز تنمية الدارجة زاكورة") لرجل الأعمال وعضو "المجلس الأعلى للتعليم"، نور الدين عيوش، الذي سبق وأن رفع مذكرة إلى الملك يدعو فيها إلى التدريس بالدارجة، ما استدعى ردود فعل قوية من المثقفين انتهت ببرنامج تلفزيوني أبرز فيه المفكر عبد الله العروي جهل الرجل بمكوّنات الثقافة العربية ولغتها.

يشار هنا إلى أن هذا المعجم ليس الأول كما يدّعي صاحبه، إذ سبقه الفرنسي جورج كولان في وضع معجم للدارجة في النصف الأوّل من القرن العشرين، والمغربي أحمد محمد الصبيحي السلاوي بـ "معجم إرجاع الدارج في المغرب إلى أصله العربي"، سنة 1933 في إطار الدفاع عن الهوية العربية المغربية أمام التغريب.

مسألة "الاستعمار الفرنكوفوني" ألقت بظلالها أيضاً على قطاع آخر من الثقافة المغربية هو قطاع المهرجانات الفنية، حيث انتقد السينمائيون المغاربة المسؤولين عن "مهرجان مراكش للسينما" بعد أن استُبعِدت الأفلام المغربية من البرمجة.

وقد كتب المخرج شريف طريبق مقالاً بعنوان "يجب تحرير مهرجان مراكش من الاستعمار الفرنسي" ومغربته، لأن المغاربة قادرون على تنظيم مهرجاناتهم بأنفسهم. وإذا كان النقد القائم على منطلقات حضارية وسياسية في مكانه، فالاحتجاج على غياب الأفلام المغربية يعود لتواضعها والمقارنة بكان الفرنسي والبندقية الإيطالي ليست في محلها، لأن هذين المهرجانين لم يبرمجا أفلام بلدانهما لسنوات، لأنها لم تكن في المستوى.

أما بخصوص المهرجانات الشبابية الموسيقية، فقد ألغي مهرجان "البولفا" للموسيقى الحضرية في الدار البيضاء، لأن المشرفين عليه لم يستطيعوا توفير 60 % من ميزانيته بعد انسحاب شركة الاتصال "إنوي" من دعمه. ومرّ مهرجان "موازين" بالرباط هذه السنة مروراً عادياً بعد أن كانت تلاحقه تهم تبذير المال العام، لنقف مرّة أخرى على كون المهرجانات في المغرب نوعان؛ مهرجانات رسمية تتمتّع بإمكانيات ضخمة، ومهرجانات محلية تقاتل من أجل العيش بدعم وزارة الثقافة أو الجماعات المحلية، أو أنها تختفي في نهاية الأمر.

إذا كانت هذه السنة قد عرفت حدثاً على مستوى النشر بإصدار "دار توبقال" الأعمال الكاملة لـ عبد الفتاح كيليطو بتسليط الضوء على كاتب بارز وخجول، فقد غيّب الموت أسماء لن تحظى بمثل هذا الاحتفاء. فقد غادرنا الفنان التشكيلي عبد اللطيف الزين، والمسرحيان الطيب الصديقي والعربي اليعقوبي، والرسام والشاعر عيسى إيكن.

في حصيلة 2016، تبدو الثقافة المغربية وهي لا تزال تراوح مكانها في غياب سياسة ثقافية حقيقية وهيمنة المراكز الأجنبية والنخب الفرنكوفونية على مجتمع ثقافي يأمل مثقفوه المهمّشون اقتطاع حيّز صغير تحت شمس ثقافة وطنية متعددة.

المساهمون