"نقابة الموسيقيين": معزوفة من نغمة واحدة

21 ابريل 2016
سيف وانلي/ مصر
+ الخط -

يظلّ تعبير "الفنان المستقل" مبهماً، وتعريفه، في مصر والبلاد العربية، غير واضحٍ، حيث لا تنتهي جدلية علاقة الفن بالاستقلالية والحدود التي تفصل بينهما، غير أن كثيرين يفضّلون إطلاق هذا التعبير على من يمارس الفن بعيداً عن وصاية المؤسّسة الرسمية.

في مصر، على سبيل المثال، اقترن الفن المستقلّ بفكرة عدم الانتساب إلى النقابة، ما خلق أزمةً بالنظر إلى أن الدستور ينص على إلزام كل المشتغلين في الموسيقى بالانتماء إلى نقابة الموسيقيين. ومن دون ذلك، يكون نشاطهم الفني "غير قانوني"، إضافة إلى استحداث قوانين نقابية تُوصف بالغريبة؛ منها قانون "حق الضبطية القضائية" الذي يمنح أعضاء النقابة إمكانية إيقاف الموسيقيين الممارسين، غير المنتسبين إليها، عن العمل، وتحرير مخالفات بحقّهم.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يمتد ليشمل الرأي الشخصي لـ"صاحب الضبطية" في مظهر الفنان وملابسه، ومجمل ما يقدّمه في حياته المهنية والشخصية، وحتى الحكْم أخلاقياً ومجتمعياً عليه.

تُعدّ النقابة كياناً هلامياً يقول الموسيقيون إنهم لا يسمعون عنه إلا حين يطلب منهم تسديد رسوم الانتساب إليها، ولا يترك لهم فرصة اختيار عضويتهم فيها من عدمها، مع أن الموسيقى مهنة إبداعية حرّة أساساً، كما أن النقابة ليست لها لائحة أنظمة وتعليمات معلنة، ولا يُعلم منها سوى اشتراطها امتحاناً بسيطاً يُفرض على جميع الراغبين في الانضمام إليها.

لكن، يؤخذ عليه أنه لا يختبر المعرفة والموهبة الحقيقيتين. كذلك، ينتقد بعضهم أعضاء لجنة التحكيم وأصحاب المناصب المهمّة في النقابة، التي يُفترض أن تؤطّر مستقبل الساحة الموسيقية والمشتغلين فيها، حيث يرى المنتقدون أنهم أشخاص يفتقدون إلى مواهب أصيلة وأخفقوا في المجال الفني.

غالباً، ما تتناسى النقابة أن دورها تنظيمي يتمثّل في تأمين حقوق ومكاسب نقابية لأعضائها، ليس رقابيا كما هو قائم اليوم، ويشمل هذا الدور تأمين مساحات للموسيقيين لتقديم عروضهم، ومنع استغلالهم مهنياً عبر قوانين ناظمة، وتحسين وضع المهن الموسيقية وصورتها في المجتمع، وتوفير فرص عمل ومنح وبرامج إنتاجية من تبادل ومجاورات ومشروعات مشتركة، وإنفاق دعم الدولة ضمن خطط متوازنة ومدروسة، وتوفير تأمين صحي ودعم قانوني فقط للراغبين في الانضمام إليها. وبالطبع، فإنه ليس من صلاحياتها تحديد من يمارس أو يمتهن الموسيقى من عدمه.

ولأن معالجة القضية مرهون بتأسيس نقابات مستقلّة، فإن هذا الحل يبدو مستحيلاً طالما أن القانون المصري يمنع التعدّدية النقابية، وإن ظلّت المحاولات مستمرّة من أجل إنشاء نقابات فنية موازية منذ أربعينيات القرن الماضي.

لكن جميع تلك المحاولات أفضت في نهاية المطاف إلى ركود، ولم تثمر نتائج ملموسة. وكذلك هو الحال بالنسبة إلى العديد من الائتلافات الثقافية التي لم تستطع أن تقول أو تفعل شيئاً جديداً، وبقيت أسيرة للعشوائية في العمل والتنظيم، إذ لم يكن همّها الرئيس إنشاء نقابة بديلة، إنما اختزلت أهدافها في تعديل الأوضاع عبر حلول وسطية تسعى إلى تخفيف الإجحاف في حق ممارسي الفن وتحقيق الحد الأدنى من حقوقهم ومطالبهم.

لعلّها لا تُلام على ذلك لقلة حيلتها وخبرتها في مواجهة مؤسّسة حكومية تتمتع بالشرعية في ظل قوانين مجحفة لا تخدم واقع الموسيقى المصرية ومستقبلها.

يتطلّب التغيير التساؤل عمّا يجب على الموسيقيين المصريين الكفاح من أجله، وما الذي ينبغي توقّعه من مؤسّسة تابعة للدولة إذا أرادوا الانتماء إليها. الإجابات المتوقّعة تتمثل في توفير مسارح ومساحات متنوّعة للعروض الحية، في كل أنحاء مصر، من دون قيود على المشاركين أو على مضامين أعمالهم، وإيجاد مسارح غير محتكرة من قبل أفراد أو مجموعات بعينها عبر تحقيق فرص متساوية لجميع المشتغلين في الحقل الموسيقي، وتأمين تجهيزات تليق بتقديم عمل فني للجمهور، الذي يُعدّ الحكَم الوحيد، وتوفير ضمانات قانونية لحق الفنان في تذاكر عروضه وعدم خضوعه للسرقة المادية مقابل فرصة العرض، وتصميم دعاية جيّدة للعروض المقامة، وضمان تساوي جودة الخدمات المقدّمة من مساحات عرض للفنانين بين المصريين والأجانب على حد سواء؛ من تسهيلات ودعاية ورعاية، وإيجاد دعم معنوي للفن، أقلّه حملات لتحسين صورة ممارسي الموسيقى (وغيرها من الفنون) في الإعلام الحكومي المسؤول عن تهميشهم كجزء من سياسة العزل الاجتماعي.

يُتوقّع كذلك توفير دعم مادي من الدولة من أجل إنشاء جهات معتمدة وثقيلة الوزن لدراسة الفن والتذوّق الفني بمناهج محلية وعالمية متنوّعة تحترم عقلية الدارس، وتخصيص منح تفرّغ للمتميّزين، وبعثات دراسية، إلى جانب منح إنتاجية للعروض والمشروعات، وتثبيت الفن في مناهج تحدّدها لجان من أساتذة الفن والتذوّق الفني، وتدرّس للطلبة منذ مرحلة ما قبل المدرسة، وعلى امتداد المراحل الدراسية الأساسية.

ربما يكون كل ذلك حلماً، غير أن الواقع يبدأ بالأحلام ويتحقّق بخطوات صغيرة. وحتى ذلك الحين يبقى الفنان والموسيقي وحيداً في مواجهة مؤسّسات جعلت من نفسها آلةً بيروقراطية تحدّ من حريته وإبداعه، بدل أن تطلقهما.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقوّة القانون

لا شكّ أن صلاحيات نقابة المهن الموسيقية، التي يرأسها هاني شاكر حالياً، تعزّزت بشكل أكبر، بعد أن منح وزير العدل السابق أحمد الزند، العام الماضي، عدداً من أعضائها صفة "الضبطية القضائية"، التي تتيحُ للنقابة ضبط الفنانين المخالفين لضوابطها وإحالتهم على النيابة. الخبر الجيّد، ربّما، هو أن ذلك لم يستمرّ طويلاً، إذ سُحبت الصفة منها مؤخّراً، في ظلّ حديث متواتر عن تجاوزات في استخدامها.

دلالات
المساهمون