فوجئ بأن الأوركسترا تستعدّ للتمرين على "افتتاحية 1812" لتشايكوفسكي، فما كان منه، وهو ابن الأحد عشر عاماً، إلا التفكير في الانسحاب لصعوبة الخط اللحني لآلة الكمان، بالرغم من فرحه بكونه أصغر عضو منتسب لـ "أوركسترا المعهد الوطني للموسيقى"، أو ما باتت تعرف بـ "الأوركسترا الوطنية الأردنية".
الآن، بعد 17 عاماً، ها هو الموسيقي الأردني يعرب سميرات (1988) يُصدر ألبوماً بعنوان "يا سلام"، يضمّ سبع مقطوعات؛ أربع من تأليفه، وثلاث أعاد توزيعها. عند الاستماع إلى العمل، نلاحظ أن سميرات وظّف ببراعة معادلة السهل المُمتنع؛ سواءً أكان ذلك بالجملة الموسيقية، أو التوزيع، وليس انتهاءً بالبناء العام ومنطقية التطور الدرامي؛ كأنه أراد إعادة تفكيك عناصر المقطوعة الموسيقية كنمط وقالب وموروث، وتقديمها مصهورةً بعناصر موسيقية حديثة.
هذه التوظيفات التي اشتغل عليها الفنان في عمله، جاءت نتاج صقله لموهبته أكاديمياً؛ حيث تخصّص في الأداء على آلة الكمان في "الأكاديمية الأردنية للموسيقى"، وهندسة الصوت من "الكلية الأسترالية" في عمّان، كما تابع دراسته العليا في كلية "بيركلي" للموسيقى في إسبانيا: "قبل دراستي وأثنائها، كان لدي هاجس يتعلّق بمزج الكلاسيكي بما هو معاصر، مع اهتمامي بالحفاظ على الصوت الشرقي"، يقول سميرات في حديثٍ إلى "العربي الجديد".
نُلاحظ هذا المزج في المقطوعة التي حمل الألبوم اسمها، "يا سلام". فبينما بدأت معظم مقطوعات العمل ببناء موسيقي تصاعدي، بدأت "يا سلام" بجمل موسيقية إيقاعية قابلة للدندنة من قبل المستمع، وبتحويلات ذات طابع طربي، إلى أن يصل إلى تقسيمة كمان موزونة، ثم يلحقها بارتجال موسيقى إلكترونية، بعد ذلك ذهب إلى قالبٍ تقليدي، مركّزاً على الأداء التقني فيه من دون أن ينال من الروح الموسيقية والإحساس العالي في تنفيذ المقطوعة، ثم يجد المستمع نفسه مع تقسيمة عود تقليدية، ليعود بعدها بتصرّف موسيقي مغاير، مأخوذ من روح الجملة الأصلية، وبخط سير إيقاعي مختلف.
استطاع سميرات، بانسيابية تُحسَب له، الانتقال من قالب ونمط موسيقي وإيقاعي إلى آخر، من دون ثرثرة موسيقية. إذ نستمع إلى انتقالات من الجاز إلى الروك اللاتيني والعربي في مقطوعة واحدة، وأحياناً في جملة موسيقية. واللافت، أنه استخدم لكل نمط آلته.
حول هذا التنوّع، يقول الفنان: "استغرق العمل على هذا الألبوم قرابة سنتين، استمعت خلالهما إلى موسيقى الشارع في عدّة بلدان عربية وأجنبية، وتعرّفت إلى تفاصيل كل نمط". يضيف: "أثناء التسجيل، شكّلت تفاصيل الصوت والتوزيع أولويّة؛ فكان لا بد من إعطاء الجملة الموسيقية المناسبة للآلة المناسبة.
هكذا، احتاج التسجيل إلى جولة بين الأردن ومصر وإسبانيا وأرمينيا، إضافة إلى مشاركة موسيقيين من الأردن وسورية ولبنان وفلسطين ومصر وأميركا وسلوفينيا وتشيلي وكولومبيا، كان لكلّ منهم إسهامه الخاص في إثراء العمل".
اقرأ أيضاً: طارق الجندي: صور وبالعكس