مسٌّ مِنهُ

25 اغسطس 2015
تفصيل من لوحة بعنوان "حصان نيتشه"
+ الخط -

بنا جميعاً مسٌّ منه. أظنّ أن لا أحداً قرأه ونجا من تأثيراته. ربما لأنه الفيلسوف الأكثر شاعرية في الغرب. الفيلسوف الفنان أو الفنان الفيلسوف، بعيداً عن ابتذال المعنَيين في التلقّي الشائع.

لقد طبع ثقافتنا وشعرنا بالخصوص، منذ ثلاثينيات القرن الماضي. والفضل في ذلك يعود إلى مترجمه الأول.

كنت أتمنّى لو خرج من بين ظهرانينا، ناقد أدبي أو مؤرّخ أفكارٍ، ورصَد أو رصدَا مياه نيتشه الجوفية، وهي تتسرّب إلى تربة كتابتنا الحديثة، بعد أن حلمت هذه وحاولت الخروج من أزمنة الانحطاط والزخرف البلاغي.

تقريباً مرّت تسعة عقود على ترجمة "هكذا تكلّم زرادشت". زمن طويل لا شك، لكنّ مفاعيله على ثقافتنا وأدبنا (وبالأخصّ قصيدة التفعيلة)، تفوق التصوّر.

بالنسبة إليّ، تعاملتُ وما زلت أتعامل معه كفنان، ولم أدرجه مرةً في زمرة الفلاسفة من العيار الثقيل، أمثال مواطنَيه: هيغل وماركس أو غيرهما. وقد ظلّت نهايته المأساوية، وهو يحتضن الحصان المضروب ويجهش، ماثلةً أمامي كنذير شؤم، أو كاستحقاق كئيب لكل من يتقدّم على زمانه، حتى ولو بخطوة.

أول من قتل الإله في الأزمنة الحديثة، قتله حصان.
هذا هو نيتشه محطّم الأوثان، وذلك هو درسه الباقي: درس إنسانيّتنا الهشّة.
ولا أعرف لمَ كلما جاء ذكرُهُ تذكّرت فوراً شاعرنا أبو العلاء؟
ليرحم الله سيّدَيْ المستقبل.

المساهمون