فرنسوا بورغينيون: عولمة اللامساواة

22 ابريل 2015
"خريطة الأرض"، أنييزي باتيستا، 1543
+ الخط -

منذ التسعينيات والاقتصاديون يحاولون الإجابة عن سؤال الفقر وتوزيع الدخل في العالم: هل ستؤدي العولمة والثورة الاقتصادية المرتبطة بها إلى تقليص الفرق بين الغني والفقير داخل البلد الواحد، أم أنها ستخلق بؤراً محددة يعيش ويتنفس فيها المال، وأخرى يزدهر فيها الفقر.

شغل هذا السؤال الاقتصادي الفرنسي فرانسوا بورغينيون الذي ظل نائباً لرئيس البنك الدولي خلال سنوات (2003–2007) وصدرت محاولته للإجابة عليه في كتابه "عولمة اللامساواة" (منشورات جامعة برينستون) أخيراً.

يرى بورغينيون أن الأدبيات التي وضعت لدراسة نمو الدخل بالغت في التبسيط وافترضت درجة غير واقعية من المساواة بين المواطنين في الدولة الواحدة، وبتجاهل التفاوت في الدخل داخل الدولة نفسها، فإن دراسات النمو التي وضعت حتى الآن تعطي رؤية غير دقيقة لتطور اللامساواة في الدخل على الصعيد الدولي.

نعرف مثلاً أن دخل الفرد في الدول الغنية اليوم يعادل 20 ضعف دخل الفرد في الفقيرة؛ بلغة بسيطة فإن دخل سائق الحافلة في السويد يفوق دخل الطبيب في بنغلادش. لكننا لا نعرف بالضبط - ربما لا يمكن أن نعرف - الفرق في الدخل بين ساكن الحي الأرستقراطي في مدينة عمّان وبين المقيم في إحدى أحيائها الفقيرة.

يستكشف بورغينيون هكذا أسئلة وإمكانية الإجابة عليها في دول محددة، فيدرس النسيج الاقتصادي في الصين والهند والبرازيل كأمثلة حيّة على اللامساواة الفاقعة بين دخل الأفراد، وارتفاع مستوى المعيشة فيها رغم عدم ارتفاع الدخل كثيراً عن ذلك الذي كان في التسعينيات.

يعتبر صاحب نظرية مثلث الفقر-النمو-اللامساواة، أنه لتقليص حالة اللامساواة بين الأمم، لا بد من تقليص اللامساواة داخل الأمة نفسها، والحد من السياسات الداخلية التي أدّت إلى هذه الحالة، لا سيما بعد الأزمة الاقتصادية التي آلت وفقاً لبورغينيون إلى انخفاض اللامساواة في الدخل بين الأفراد في دول معينة بنسب كبيرة لم تكن موجودة لعقود خلت، دون أن يعني ذلك تحسّن دخل هؤلاء، بل ذوبان الطبقة الوسطى وتدني مستوى دخلها عمّا كان عليه قبل الأزمة.

هنا يتساءل بورغينيون إن كان ينبغي أن نربط هذه النتيجة بالعولمة أم علينا أن نأخذ كل بلد بخصوصيته والعوامل المؤثرة على الدخل فيه. صحيح أنه لا يقترح تناول الأمر من وجهتي: الدولة والعالم في آن، لكنه يؤكد على ضرورة التنبيه إلى خطر اللامساواة بين الدول ثم بين الأفراد داخل الدولة، التي إن استمرت ستذهب بكثير من الدول إلى الفوضى الاجتماعية والسياسية لا محالة، والأمثلة الحيّة والقريبة على هذا كثيرة.

دلالات
المساهمون